وكل ما ذكر مبني على إهمال مسألة حضور وتجسّم الأعمال في يوم القيامة ، ومعه ينتفي أيّ دور للتأويلات المذكورة.
وبنظرة إلى الآيات القرآنية والروايات والأحاديث الشريفة يتبيّن لنا أنّ أعمال الإنسان تتجسم في هذا اليوم بصورة معينة ، وتظهر للإنسان فينظر إليها على حقيقتها فيسّر ويفرح عند رؤيته لأعماله الصالحة ، ويتألم ويتحسر عن رؤيته لأعماله السيئة.
وأساسا فإنّ تجسّم الأعمال ومرافقتها للإنسان من أفضل المكافآت للمطيعين وأشدّ عقوبة للعاصين.
كما نجد في الآية (٤٩) من وسورة الكهف : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) ، وكذا في آخر سورة الزلزال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
في جملة «ما قدمت يداه» تغليب ، لأنّ كل إنسان يؤدي أعماله غالبا بيديه ، ولكنه لا يعني الحصر ، بل يشمل جميع ما ارتكبته الجوارح من لسان وعين واذن ، في الحياة الدنيا.
وينبه القرآن الناس قبل تحقق ذلك اليوم : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (١).
وعلى أيّة حال ، فحينما يرى الكفّار أعمالهم مجسمة أمامهم سيهالهم الموقف وتصيبهم الحسرة والندامة ، حتى يقولون يا ليتنا لم نتجاوز منذ البداية مرحلة التراب في خلقنا ، وعند ما خلقنا في الدنيا ، ثمّ متنا وتحولنا إلى التراب ، فيا ليتنا بقينا على تلك الحال ولم نبعث من جديد!
فهم يعلمون بأنّ التراب بات خيرا منهم ، لأنّه : تغرس به حبّة واحدة فيعطي سنابلا ، وهو مصدر غني للمواد الغذائية والمعدنية والبركات الاخرى ، مهد لحياة
__________________
(١) الحشر ، ١٨.