«الصّاخة» : من (صخّ) ، وهو الصوت الشديد الذي يكاد أن يأخذ بسمع الإنسان ، ويشير في الآية إلى نفخة الصور الثّانية ، وهي الصيحة الرهيبة التي تعيد الحياة إلى الموجودات بعد موتها جميعا ليبدأ منها يوم الحشر.
نعم ، فالصيحة من الشدّة بحيث تذهله عن كلّ ما كان مرتبطا به ، سوى نفسه وأعماله.
ولذا ، تأتي الآية التالية ، ولتقول مباشرة : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ).
ذلك الأخ الذي ما كان يفارقه وقد ارتبط به بوشائج الاخوة الحقة!
وكذلك : (أُمِّهِ وَأَبِيهِ).
حتى : (وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ).
فوحشة ورهبة يوم القيامة لا تنسي الأخ والام والأب والزوجة والأولاد فحسب ، بل وتتعدى إلى الفرار منهم ، وعند ما ستتقطع كلّ روابط وعلاقات الإنسان الفرد مع الآخرين ... فحينها سوف لا يهتم إلّا نفسه وما قدّم ، وسينسى :
امّه التي كانت تحبّه وتفديه ..
وأبو الذي ربّاه واحترمه ..
وزوجته التي لا تعرف غيره ..
وأولاده .. ثمرة كبده وقرة عينه ..
وقيل : إنّما يكون الفرار للتهرب من الحقوق التي لهم عليه ، وهو عاجز عن أدائها.
وقيل أيضا : إنّما يفر المؤمنون خاصّة من أقربائهم من غير المؤمنين وغير المتقين ، خوفا من الإصابة بما سيصيب أولئك من عقاب.
__________________
جاءت الصاخة فما أعظم أسف لكافرين) ـ تفسير المراعي. والثاني : وفي (مجمع البيان) قيل : إنّه (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ). والثالث : أمّا في (روح المعاني) ، فقد احتمل : إنّه مستفاد من جملة (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ) ، والتقدير : (فإذا جاءت الصاخة يفر المرء من أخيه).