ويبدو أنّ التفسير الأوّل أنسب ولا مانع من الجمع بينهما.
ولكن ... ما سرّ تسلسل ذكر الأخ ، ثمّ الامّ ، فالأب من بعدها ، ومن ثمّ الزوجة والأولاد؟
يعتقد بعض بأنّ التسلسل قد لوحظ فيه شدّة العلاقة ما بين الفار ومن يرتبط بهم ، وقد تسلسل الذكر من الأدنى حتى الأعلى ، ليعطي لهذا التصوير بعدا بلاغيا ، فهو من أخيه ، ثمّ من أمّه وأبيه ، ثمّ من زوجته وبنيه.
ولكن : يصعب الخروج بقاعدة كلية تختص في ترتيب العلائق بين الناس ، فالناس ليسوا سواسية في هذا الجانب ، فقد نجد من يكون مرتبطا بأخيه أكثر من أيّ إنسان الآخر ، ونجد ممن لا يقرّب على علاقته بامّه شيء ، وثمّة من تكون زوجته رمز حياته ، أو من يفضل ابنه حتى على نفسه ... إلخ.
وثمّة عوامل اخرى تدخل في التأثير على علاقة الإنسان بأخيه وأبيه وزوجته وبنيه ، وعلى ضوئها لا يمكننا ترجيح أفضلية أيّ منهم على الآخر من جميع الجهات ، وعليه فلا يمكن القطع بأنّ التسلسل الوارد في الآية قد جاء على أثر أهمية وشدة العلاقة.
ولكن ... لم الفرار؟ (... لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
«يغنيه» : كناية لطيفة عن شدّة انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم ، ولما سيرى من حوادث مذهلة ، تأخذه كاملا ، فكرا وقلبا.
وقد سئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الحميم ، وهل يذكره الرجل يوم القيامة؟ فقال : «ثلاثة مواطن لا يذكر (فيها) أحد أحدا : عند الميزان ، حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخف؟ .. وعند الصراط ، حتى ينظر أيجوزه أم لا؟ .. وعند الصحف ، حتى ينظر بيمينه يأخذ الصحف أم بشمال؟ .. فهذه ثالثة مواطن لا يذكر فيها أحد حميمه ولا حبيبه ولا قريبه ولا صديقه ، ولا بنيه ولا والديه ، ذلك قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ