على كل حال فإنّ سياق الآيات السابقة يشير إلى ثواب المؤمنين في يوم القيامة ، وفي هذه الآيات يتحدث عن ثوابهم الدّنيوي فيقول : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)
ننزل عليهم مطر رحمتنا ، ونذلل لهم منابع وعيون الماء الذي يهب الحياة وبوجود الماء يوجد كل شيء وعلى هذا فإنّنا نشملهم بأنواع النعم.
«غدق» على وزن شفق ، وتعني الماء الكثير
القرآن المجيد اكّد ولعدّة مرات على أنّ الإيمان والتقوى ليست فقط منبعا للبركات المعنوية ، بل تؤدّي إلى زيادة الأرزاق والنعم والعمران ، أي (البركة والمادية).
(لنا بحث مفصل في هذا الباب في نفس المجلد في تفسير سورة نوح عليهالسلام ذيل الآية ١٢ تحت عنوان الرابطة بين الإيمان والتقوى وبين العمران).
الملاحظ حسب هذا البيان أنّ سبب زيادة النعمة هو الاستقامة على الإيمان ، وليس أصل الإيمان ، لأنّ الإيمان المؤقت لا يستطيع أن يظهر هذه البركات ، فالمهم هو الاستقامة والاستمرار على الإيمان والتقوى ، ولكن هناك الكثير ممن تزل أقدامهم في هذا الطريق.
والآية الأخرى إشارة إلى حقيقة أخرى بنفس الشأن ، فيضيف : (لِنَفْتِنَهُمْ) هل أنّ كثرة النعم تتسبب في غرورهم وغفلتهم؟ أم أنّها تجعلهم يفيقون ويشكرون ويتوجهون أكثر من ذي قبل إلى الله؟
ومن هنا يتّضح أن وفور النعمة من إحدى الأسباب المهمّة في الامتحان الإلهي ، وما يتفق عليه هو أنّ الاختبار بالنعمة أكثر صعوبة وتعقيدا من الاختبار بالعذاب ، لأنّ طبيعة ازدياد النعم هو الانحلال والكسل والغفلة ، والغرق في الملذات والشهوات ، وهذا ما يبعد الإنسان عن الله تعالى ويهيء الأجواء لمكائد الشيطان ، والذين يستطيعون أن يتخلصوا من شراك النعم الوافرة هو الذاكرون لله