على كلّ حال ، غير الناسين له تعالى ، حيث يحفظون قلوبهم بالذكر من نفوذ الشياطين (١).
ولذا يضيف تعقيبا على ذلك : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً).
«صعد» : على وزن (سفر) وتعني الصعود إلى الأعلى ، وأحيانا الشعب المتعرجة في الجبل ، وبما أنّ الصعود من الشعاب المتعرجة عمل شاق ، فإنّ هذه اللفظة تستعمل بمعنى الأمور الشّاقة ، وفسّرها الكثير بمعنى العذاب الشّاق ، وهو مماثل لما جاء في الآية (١٧) من سورة المدّثر حول بعض المشركين : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً).
ولكن ، أنّه مع أنّ التعبير أعلاه يبيّن كون هذا العذاب شاقّا شديدا فإنّه يحتمل أن يشير إلى اليوم الطويل ، وعلى هذا الأساس فإنّه يبيّن في الآيات أعلاه رابطة الإيمان والتقوى بكثرة النعم من جهة ، رابطة كثرة النعم بالاختبارات الإلهية من جهة أخرى ورابطة الإعراض عن ذكر الله تعالى بالعذاب الشاق الطويل من جهة ثالثة ، وهذه حقائق أشير إليها في الآيات القرآنية الأخرى كما نقرأ في الآية (١٢٤) من سورة طه : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً).
وكذا في الآية (٤٠) من سورة النمل عن لسان سليمان عليهالسلام : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) ، وما جاء في الآية (٢٨) من سورة الأنفال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).
وقال مؤمنو الجن في الآية الأخرى وهم يدعون إلى التوحيد : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) وللمساجد في هذه الآية تفاسير عديدة منها :
__________________
(١) احتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من «الطريقة» هو سبيل الكفر وزيادة النعم الحاصلة نتيجة للاستقامة في هذه الطريقة في الحقيقة هي مقدمة العقوبات ومصداق الاستدراج في النعم ، ولكن هذا التّفسير لا يتناسب أبدا مع سياق الآيات السابقة واللاحقة.