هذه ، لأنها أحسن في هذا الكلام خصوصا. وسبب حسنه أنه كأنه بدع عجيب أن يشاء الإنسان أن يبكي دما. فلما كان كذلك ، كان الأولى أن يصرّح بذكره ليقرّره في نفس السامع ويؤنسه به.
وإذا استقريت وجدت الأمر كذلك أبدا متى كان مفعول «المشيئة» أمرا عظيما ، أو بديعا غريبا ، كان الأحسن أن يذكر ولا يذكر ولا يضمر. يقول الرجل بخبر عن عزّة : «لو شئت أن أردّ على الأمير رددت» و «لو شئت أن ألقى الخليفة كلّ يوم لقيت». فإذا لم يكن مما يكبره السامع ، فالحذف كقولك : «لو شئت خرجت» ، و «لو شئت قمت» ، و «لو شئت أنصفت» ، و «لو شئت لقلت» ، وفي التنزيل : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال : ٣١] ، وكذا تقول : «لو شئت كنت كزيد» ، قال : [من البسيط]
لو شئت كنت ككرز في عبادته |
|
أو كابن طارق حول البيت والحرم (١) |
وكذلك الحكم في غيره من حروف المجازاة أن تقول : «إن شئت قلت» و «إن أردت دفعت» ، قال الله تعالى (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) [الشورى : ٢٤] ، وقال عزّ اسمه : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام : ٣٩] ، ونظائر ذلك من الآي ، ترى الحذف فيها المستمرّ.
ومما يعلم أن ليس فيه لغير الحذف وجه قول طرفه : [من الطويل]
وإن شئت لم ترقل ، وإن شئت أرقلت |
|
مخافة ملويّ من القّدّ محصد (٢) |
وقول حميد : [من الطويل]
__________________
(١) من شعر عبد الله بن شبرمة القاضي الفقيه ، يقوله لابن هبيرة ويذكر فيه : «كرز بن وبرة الحارثي الجرجاني العابد ، ومحمد بن طارق» قال ابن شبرمة لما سمع ابن هبيرة الشعر قال له : من كرز؟ ومن ابن طارق؟ قال : فقلت له : أما كرز فكان إذا كان في سفر واتخذ الناس منزلا اتخذ هو منزلا للصلاة ، وأما ابن طارق : فلو اكتفى أحد بالتراب كفاه كف من تراب ، وكان كرز يختم القرآن في كل يوم وليلة ثلاث ختمات ، وكان محمد بن طارق يطوف في كل يوم وليلة سبعين أسبوعا كان يقدّر طوافه في اليوم عشرة فراسخ. والبيت في حلية الأولياء (٥ / ٨١ ـ ٨٢) ، وفي ترجمة كرز بن وبرة الحارثي ، وبعده :
قد حال دون لذيذ العيش حدهما |
|
وشمّرا في طلاب الفوز والكرم |
(٢) البيت في ديوانه (٣١) ، وفي شرح المعلقات العشر (٧٣) ، وهو من معلقته. الإرقال : دون العدو وفوق السير.