إذا شئت غنّتني بأجزاع بيشة |
|
أو الزّرق من تثليث أو بيلملما |
مطوّقة ورقاء تسجع كلّما |
|
دنا الصّيف وانجاب الرّبيع فأنجما (١) |
وقول البحتريّ : [من الطويل]
إذا شاء غادى صرمة ، أو غدا على |
|
عقائل سرب ، أو تقنّص ربربا (٢) |
وقوله : [من الكامل]
لو شئت عدت بلاد نجد عودة ، |
|
فحللت بين عقيقه وزروده (٣) |
معلوم أنك لو قلت : «وإن شئت أن لا ترقل لم ترقل» ، أو قلت : «إذا شئت أن تغنّيني بأجزاع بيشة غنّتني» ، و «إذا شاء أن يغادي صرمة غادى» ، و «لو شئت أن تعود بلاد نجد عودة عدتها» أذهبت الماء والرّونق ، وخرجت إلى كلام غثّ ، ولفظ رثّ.
ـ وأمّا قول الجوهريّ : [من الطويل]
فلم يبق منّي الشّوق غير تفكّري ، |
|
فلو شئت أن أبكي بكيت تفكّرا (٤) |
فقد نحا به نحو قوله : «ولو شئت أن أبكي دما لبكيته» ، فأظهر مفعول «شئت» ، ولم يقل : «فلو شئت بكيت تفكرا» ، لأجل أن له غرضا لا يتمّ إلّا بذكر المفعول. وذلك أنه لم يرد أن يقول : «ولو شئت أن أبكى تفكّرا بكيت كذلك» ، ولكنه أراد أن يقول : قد أفناني النحول ، فلم يبق منّي وفيّ غير خواطر تجول ، حتى لو شئت بكاء فمريت (٥) شئوني ، وعصر عيني ليسيل منها دمع لم أجده ، ولخرج بدل الدمع التّفكّر. فالبكاء الذي أراد إيقاع المشيئة عليه مطلق مبهم غير معدّى إلى «التفكر» البتة ، و «البكاء» الثاني مقيّد معدّى إلى التفكر. وإذا كان الأمر كذلك ،
__________________
(١) البيتان في ديوانه ، وهما في الأغاني (٤ / ٣٤٩) ، ويروى البيت الأول في الأغاني : «من يلملما» بدل «أو بيلملما». الأجزاع : جمع جزعة ، وهي الرملة الطيبة المنبت لا وعوثة فيها. بيشة : اسم قرية غناء في واد كثير الأهل من بلاد اليمن. التثليث : موضع بالحجاز قرب مكة.
(٢) البيت في ديوانه. الصّرمة : القطعة من الإبل قيل : هي ما بين العشرين إلى الثلاثين ، وقيل : هي ما بين الثلاثين إلى الخمسين والأربعين ، فإذا بلغت الستين فهي الصّدعة ، وقيل : هي ما بين عشرة إلى بضع عشرة. وعقائل السرب : كرائمه ، الربرب : قطيع البقر الوحشي.
(٣) البيت للبحتري في ديوانه ، وهو في مفتاح العلوم (٣٣٤) ، والإيضاح (١١١). العقيق وزرود : موضعان ، والمخاطب في البيت السحاب.
(٤) الجوهري : هو أبو الحسن علي بن أحمد الجوهري الجرجاني من شعراء الصاحب بن عباد.
(٥) مريت : مرى الناقة يمريها مسح ضرعها فأمرت هي در لبنها «القاموس : مرى» (١٧١٩).