كذلك ، والذي قبله من قوله : «إنما نحن مصلحون» ، حكاية عنهم. فلو عطف للزم عليه مثل الذي قدّمت ذكره من الدخول في الحكاية ، ولصار خبرا من اليهود ووصفا منهم لأنفسهم بأنهم مفسدون ، ولصار كأنه قيل : قالوا : «إنما نحن مصلحون ، وقالوا إنّهم المفسدون» ، وذلك ما لا يشكّ في فساده.
وكذلك قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٣] ، ولو عطف : «إنّهم هم السّفهاء» على ما قبله ، لكان يكون قد أدخل في الحكاية ، ولصار حديثا منهم عن أنفسهم بأنهم هم السّفهاء ، من بعد أن زعموا أنهم إنّما تركوا أن يؤمنوا لئلّا يكونوا من السفهاء.
على أنّ في هذا أمرا آخر ، وهو أن قوله : «أنؤمن» استفهام ، لا يعطف الخبر على الاستفهام.
فإن قلت : هل كان يجوز أن يعطف قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على «قالوا» من قوله : «قالوا إنّا معكم» لا على ما بعده ، وكذلك كان يفعل في «إنّهم هم المفسدون» ، و «إنّهم هم السّفهاء» ، وكان يكون نظير قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) [الأنعام : ٨] ، وذلك أنّ قوله : «ولو أنزلنا ملكا» معطوف ، من غير شك ، على «قالوا» دون ما بعده؟.
قيل : إن حكم العطف على «قالوا» فيما نحن فيه ، مخالف لحكمه في الآية التي ذكرت. وذلك أن «قالوا» هاهنا جواب شرط ، فلو عطف قوله : «الله يستهزئ بهم» عليه ، للزم إدخاله في حكمه من كونه جوابا ، وذلك لا يصحّ.
وذاك أنّه متى عطف على جواب الشرط شيء «بالواو» كان ذلك على ضربين : أحدهما : أن يكونا شيئين يتصوّر وجود كلّ واحد منهما دون الآخر ، ومثاله قولك «إن تأتني أكرمك أعطك وأكسك» ، والثاني : أن يكون المعطوف شيئا لا يكون حتى يكون المعطوف عليه ، ويكون الشّرط لذلك سببا فيه بوساطة كونه سببا للأول ، ومثاله قولك : «إذا رجع الأمير إلى الدار استأذنته وخرجت» ، فالخروج لا يكون حتى يكون الاستئذان ، وقد صار «الرجوع» سببا في الخروج ، من أجل كونه سببا في الاستئذان ، فيكون المعنى في مثل هذا على كلامين ، نحو : «إذا رجع الأمير استأذنت ، وإذا استأذنت خرجت».
وإذا قد عرفت ذلك ، فإنه لو عطف قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على