الرجلين كليهما» ، على معنى لا تضرب واحدا منهما. فإذا قال ذلك لزمه أن يحيل قول الناس : «لا تضربهما معا ، ولكن اضرب أحدهما» ، و «لا تأخذهما جميعا ، ولكن واحدا منهما» ، وكفى بذلك فسادا.
وإذ قد بان لك من حال النّصب أنه يقتضي أن يكون المعنى على أنه قد صنع من الذّنب بعضا وترك بعضا ، فاعلم أنّ الرّفع على خلاف ذلك ، وأنه يقتضي نفي أن يكون قد صنع منه شيئا ، وأتى منه قليلا أو كثيرا ، وأنك إذا قلت : «كلّهم لا يأتيك» ، و «كلّ ذلك لا يكون» ، و «كلّ هذا لا يحسن» ، كنت نفيت أن يأتيه واحد منهم ، وأبيت أن يكون أو يحسن شيء مما أشرت إليه.
ومما يشهد لك بذلك من الشّعر قوله : [من الطويل]
فكيف؟ وكلّ ليس يعدو حمامه |
|
ولا لامرئ عمّا قضى الله مزحل (١) |
المعنى على نفي أن يعدو أحد من الناس حمامه ، بلا شبهة. ولو قلت : «فكيف وليس يعدو كلّ حمامه» : فأخرت «كلّا» ، لأفسدت المعنى ، وصرت كأنك تقول : «إن من الناس من يسلم من الحمام ويبقى خالدا لا يموت».
ومثله قول دعبل : [من الطويل]
فو الله ما أدري بأيّ سهامها |
|
رمتني ، وكلّ عندنا ليس بالمكدي |
أبا الجيد ، أم مجرى الوشاح ، وإنّني |
|
لأتهم عينيها مع الفاحم الجعد (٢) |
المعنى على نفي أن يكون في سهامها مكد على وجه من الوجوه.
ومن البيّن في ذلك ما جاء في حديث ذي اليدين حين قال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : كلّ ذلك لم يكن. فقال ذو اليدين : بعض ذلك قد كان» (٣) ، المعنى لا محالة على نفي الأمرين جميعا ، وعلى أنه
__________________
(١) هو شعر إبراهيم بن كنيف النبهاني ، شرح حماسة التبريزي (١ / ١٣٦) ، وأمالي القالي (١ / ١٧٠). ومزحل : مصدر ميمي من زحل إذا تباعد ، يعني ليس منه مهرب.
(٢) هو في المجموع من شعره. والمكدي الذي يخيب ولا يصيب هدفه. وقوله : «لأتهم» أي : أتهم عينيها ، واعلم أن التاء في التهمة مبدلة من الواو ، فقولهم «تهمة» أصلها : «وهمة» ولكنهم في هذا الفعل أجروا التاء المبدلة مجرى الأصل ، فقالوا : «أتهمه إتهاما» ويقال أيضا : «أوهمه» بمعنى أتهمه على الأصل. (شاكر).
(٣) أخرجه البخاري في الأيمان والنذور ، باب «إذا حنث ناسيا في الأيمان» (٦٦٧١) ، ومسلم في المساجد ، باب السهو في الصلاة والسجود له (٥٧٢) ، وابن ماجة في الإقامة ، باب ما جاء فيمن شك في صلاته فتحرى الصواب (١٢١١).