عليهالسلام أراد أنه لم يكن واحد منهما ، لا القصر ولا النّسيان. ولو قيل : «لم يكن كلّ ذلك» ، لكان المعنى أنه قد كان بعضه.
واعلم أنه لما كان المعنى مع إعمال الفعل المنفي في «كلّ» نحو : «لم يأتني القوم كلّهم» و «لم أر القوم كلّهم» ، على أن الفعل قد كان من البعض ، ووقع على البعض ، قلت : «لم يأتني القوم كلّهم ، ولكن أتاني بعضهم» و «لم أر القوم كلّهم ، ولكن رأيت بعضهم» فأثبتّ بعد ما نفيت ، ولا يكون ذلك مع رفع «كلّ» بالابتداء. فلو قلت : «كلهم لم يأتني ، ولكن أتاني بعضهم» و «كلّ ذلك لم يكن ، ولكن كان بعض ذلك» ، لم يجز ، لأنّه يؤدّي إلى التناقض ، وهو أن تقول : «لم يأتني واحد منهم ، ولكن أتاني بعضهم».
واعلم أنّه ليس التأثير لما ذكرنا من إعمال الفعل وترك إعماله على الحقيقة ، وإنما التأثير لأمر آخر ، وهو دخول «كلّ» في حيّز النفي ، وأن لا يدخل فيه. وإنما علقنا الحكم في البيت (١) وسائر ما مضى بإعمال الفعل وترك إعماله ، من حيث كان إعماله فيه يقتضي دخوله في حيّز النفي ، وترك إعماله يوجب خروجه منه ، من حيث كان الحرف النافي في البيت حرفا لا ينفصل عن الفعل ، وهو «لم» لا أنّ كونه معمولا للفعل وغير معمول ، يقتضي ما رأيت من الفرق. أفلا ترى أنّك لو جئت بحرف نفي يتصوّر انفصاله عن الفعل ، لرأيت المعنى في «كل» مع ترك إعمال الفعل ، مثله مع إعماله ، ومثال ذلك قوله : [من البسيط]
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه (٢)
وقول الآخر : [من البسيط]
ما كلّ رأي الفتى يدعو إلى رشد (٣)
__________________
(١) علقنا الحكم في البيت : المقصود بيت أبي النجم سبق ذكره وصدره : قد أصبحت أم الخيار.
(٢) البيت للمتنبي في ديوانه (٢٣٥) ، من قصيدة قالها عند ما علم أن قوما نعوه في مجلس سيف الدولة وتمامه : «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن».
والمعنى : هم يتمنون موتي ولكن الأمور تسير على عكس رغباتهم ، والبيت في الإيضاح (٧٢) ، والتبيان (٢ / ٤٧٨) ، وشرح المرشدي على عقود الجمان (١ / ٨٨).
(٣) البيت : هو صدر بيت قاله أبو العتاهية من قصيدة يعاتب فيها نفسه وعجزه :
إذا بدا لك رأي مشكل فقف
(الديوان ١٦٥).