المحامد ، داعيا ومحرّضا ، وباعثا ومحضّضا ، ومذكّرا ومعرّفا ، وواعظا ومثقّفا. فلو كنت ممّن ينصف كان في بعض ذلك ما يغيّر هذا الرأي منك ، وما يحدوك على رواية الشعر وطلبه ، ويمنعك أن تعيبه أو تعيب به ، ولكنك أبيت إلّا ظنّا سبق إليك ، وإلا بادي رأي عنّ لك (١) ، فأقفلت عليك قلبك ، وسددت عما سواه سمعك ، فعيّ النّاصح بك ، وعسر على الصديق الخليط تنبيهك.
نعم ، وكيف رويت : «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، فيريه ، خير له من أن يمتلئ شعرا» (٢) ، ولهجت به ، وتركت قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ من الشّعر لحكمة وإنّ من البيان لسحرا» (٣) وكيف نسيت أمره صلىاللهعليهوسلم بقول الشعر ، ووعده. عليه الجنة ، وقوله لحسان : «قل وروح القدس معك» (٤) ، وسماعه له ، واستنشاده إيّاه ، وعلمه صلىاللهعليهوسلم به ، واستحسانه له ، وارتياحه عند سماعه؟.
أمّا أمره به ، فمن المعلوم ضرورة ، وكذلك سماعه إيّاه ، فقد كان حسّان وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير يمدحونه ، ويسمع منهم ، ويصغي إليهم ، ويأمرهم بالردّ على المشركين ، فيقولون في ذلك ويعرضون عليه. وكان عليهالسلام يذكر لهم بعض ذلك ، كالذي روي من أنه صلىاللهعليهوسلم قال لكعب : «ما نسي ربّك ، وما كان ربّك نسيّا ، شعرا قلته» ، قال : وما هو يا رسول الله؟ قال : أنشده يا أبا بكر. فأنشده أبو بكر رضوان الله عليه : [من الكامل]
زعمت سخينة أن ستغلب ربّها |
|
وليغلبنّ مغالب الغلّاب (٥) |
وأمّا استنشاده إيّاه فكثير ، من ذلك الخبر المعروف في استنشاده ، حين استسقى فسقي ، قول أبي طالب : [من الطويل]
__________________
(١) أي ظهر أمامك. ا. ه القاموس مادة / عنّ / ١٥٧٠.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب (٩٢) ، ومسلم في الشعر (٩٧) ، وأبو داود في الأدب (٨٧).
(٣) أخرجه البخاري في الأدب (٦٩) ، وابن ماجة في الأدب (٤١) ، وأحمد بن حنبل في المسند (٣ / ٤٥٦).
(٤) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (٤ / ٢٩٧) ، والبخاري في الصلاة (٦٨) ، بلفظ (اللهم أيده بروح القدس).
(٥) البيت في ديوان كعب بن مالك : (١٧٨ ـ ١٨٢) ، والأغاني (١٦ / ٢٤٦) ، وانظر طبقات فحول الشعراء رقم (٣٠٥). والسّخينة : لقب قريش لأنها كانت تعاب بأكل السخينة ، وهي الدقيق يلقى على ماء أو لبن فيطبخ ثم يؤكل بتمر أو يحسى وهو الحساء. انظر اللسان (سخن).