عليها ، ويهش بها على غنمه ، وله فيها حاجات أخرى غير تلك ، فأمره الله أن يلقي عصاه فألقاها ، وسرعان ما رأى أن تلك العصا قد تحولت الى ثعبان ضخم ، حيث جاء في النصوص إنه كان من القوة ، بحيث يحطم الحجر ، ويقتلع الشجر ، وتتوقد عيناه في الليل المظلم. كان هذا امتحانا : حيث أمره الله بأن يلقي عصاه فامتثل موسى ، والامتحان الآخر كان حيث أمره بأن يأخذ الثعبان فيمسكه من حلقه ، وهو أخطر عضو فيه. ترى كم ينبغي أن يكون إيمان الإنسان بالله وبالرسالة ، وتغلّبه على طبيعته البشرية كبيرا حتى يتمكن من أن يقدم على هذه العملية الصعبة؟!
إنّ الإنسان بطبيعته يشكك نفسه ـ ألف مرة ـ في مثل هذه الحالات ، فاذا تعرض لامتحانات صعبة كما تعرض لها موسى (ع) ، يقول لنفسه : من يقول بان هذا هو الله؟ ومن يقول بأن الأمر واجب ، ومن يقول بأن الأمر فوري؟ وهكذا .. ولكنّ موسى بالرغم من خوفه الشديد النابع من طبيعته البشرية تحدى وأخذ الثعبان فتحول ـ بمجرد أن أمسك به ـ الى عصا كما كانت.
لقد اجتاز موسى في لحظات معدودة تلك المراحل التي اجتازها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في سنين ، فامر بحمل الرسالة الى البشر. لقد تعرض إبراهيم الخليل (ع) لخطر شخصي حينما القي به في النار ، وكذلك موسى تعرض لهذا الخطر حينما أمر بأن يأخذ الثعبان ، وإبراهيم ترك زوجته وطفله الرضيع وحيدين في الصحراء ، وانفلت عنها وتوجه الى الله ، وكذلك موسى ترك أهله وهم في ظروف صعبة ، وتوجه الى الله.
إبراهيم الخليل تعرّض ـ مرة أخرى ـ للغربة والابتعاد عن بلده ، وكذلك موسى تعرض لذلك حيث بقي ضالا في الصحراء مدة الى أن اهتدى بفضل الله ، هذا غير فراره الى مدين وبقائه هناك لمدة عشر سنين.