«اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» وجاء الآن يسأل عمّا قام به.
أما هارون فقد أجاب موسى (ع) بأن بني إسرائيل لا يخضعون إلا لك ولا يزالون معتقدين بك ، لذلك إذا أمرتهم بترك عبادة العجل قالوا سنعكف على عبادته حتى يرجع إلينا موسى ، فأشاع السامري بأنك مت واعرف أنك ستعود ويكون ذلك دليلا على كذبه ، ولعل موسى (ع) كان يعرف بأن هارون (ع) شديد الغضب في الله ، لذلك وصاه بإصلاحهم دون القيام ضدهم ، ونستوحي من هذا السؤال وجوابه ان الثورة ضرورة في المجتمعات المنحرفة ، ولكن على الثوار أن ينتظروا الأوقات المناسبة لتفجير ثورتهم ، ذلك لأنه عند ما تشيع فكرة باطلة في مجتمع ما ، فان الجماهير تلتف حولها فلكل جديد لذة ، مما يسقط خيار المقاومة لو تعجلوا في محاربتها ، فاذا انتظروا قليلا حتى يذهب بريقها وتظهر عيوبها ، فان مقاومتها آنئذ ستكون ناجحة ، ولذلك جاء في الأحاديث ما مضمونه (لا تقاوم الدول في بداية أمرها) ، لأنها شابة وتمتلك الجماهير وهي مستعدة لحماية مكتسباتها ، اما إذا ظهرت سلبياتها فان الناس سيتحركون ضدها ويساعدون على إسقاطها ، اضافة الى تنامي عوامل الانهيار فيها بسبب انحراف مسيرتها.
[٩٤] عند ما عتب موسى على هارون (عليهما السلام) ، وأخذ بلحيته وبرأسه يجرهما اليه ، طلب هارون من أخيه الا يغضب معللا بأن قومه لم يستجيبوا له ، ولو أنه أخذهم بالقوة لتفرقوا اجتماعيا ولنفروا من الدين نفسيا ، وأن الحركة المضادة قد تكرس فيهم الواقع السلبي ، فانتظر حتى يعود موسى (ع) إليهم.
ويبدو أن الخلاف بين هارون وموسى (عليهما السلام) بادئ الأمر كان في فهم الموقف وليس في الحكم الشرعي ، فبينما كان هارون يرى أن الموقف يستدعي التريث ، لكي لا تنهار وحدة الأمة ، ولذلك طبق موقف وصيه موسى (عليه السلام) حيث قال له : «وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» ، تساءل موسى (عليه السلام) :