الله حتى يرتدع عمّا قد يريد من الفاحشة ، والاستعاذة بالله دليل عمق الإيمان ، إذ أن كثيرا من المؤمنين قد تذهلهم المفاجأة عن الركون الى ربهم في الموقف الصعب ، أما مريم فلقد استعاذت منه بالله الرحمن ، فهدفت أمرين :
تقوية ارادتها ، وبعث الرعب في قلب الطرف الآخر ، ثم ذكرته بأن عمله مخالف للتقوى.
[١٩] (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)
[٢٠] (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)
هنا نرى ان مريم لا تزال محتفظة بكل أعصابها أمام هذه المفاجأة وهي في سن مبكر فأخذت تحاور الملك ، وتقول : إنّي لست متزوجة ، كما أنّي لست باغية ، فكيف أرزق ولدا!
[٢١] (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)
لأن الله قال : بأن ذلك عمل هيّن بالنسبة إليه ، وهدفه من ذلك هو أن يكون هذا الوليد آية له على خلقه ، ويبدو أن الملك العظيم حمّلها مسئولية بهذا القول ، إذ بين لنا أن عليها أن تتحمل صعوبة الحمل والولادة ، وتهم الناس وما أشبه من أجل هداية الناس ، لأن وليدها سوف يصبح آية لله على الناس.
(وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا)
بالاضافة الى ذلك فهو رحمة للناس ، علمه رحمة ، ورسالته رحمة ، واعماله رحمة ، ولعل الملك العظيم هدّأ خاطرها بهذه الكلمة ، فإن آيات الله قد تكون من نوع آخر ، بينما وليدها المنتظر سيكون رحمة للناس ولها أيضا.