فكلّ الناس ميتون ، ولعلّ الأدب القرآني السامي يذكر هنا ضمير المخاطب ليجعلنا جميعا في جو رهيب بحيث نشعر بمرارة النهاية لكي لا نلعب ولا نلهو في الحياة.
وما دام الرسول وهو أكرم الخلق على الله قد مات فهل يخلد أحد بعده؟!
[٣٥] (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)
وتعبير ذائقة يقرب المعنى للذهن أكثر ، إذ يصور الموت وكأنه شربة يذوقها الجميع ، لكي نتحسس بمرارة الموت عن طريق التذكر المستمر له ، ولعلّ الآية توحي بأنه ليس هناك إنسان إلّا ويتحسس الموت بوعي تام ، حتى لو كان الموت قد وافاه أثناء نومه.
بلى لا بدّ أن نتذوق جميعا كأس الموت غصة بعد غصة ، أفلا نعتبر بمن مضى منا؟ ومن لم يتعظ بهذه النهاية الرهيبة فبم ـ يا ترى ـ يعتبر؟ لقد قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ يوما وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك ، : «كأن الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأن الحقّ فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نسمع عن الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون ، نواريهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم ، كأنا مخلدون بعدهم ، وقد نسينا كلّ واعظة ورمينا بكلّ جائحة» (١)
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ)
الخير أفضل من الشّر ، ولكن القرآن يأتي بذكر الشرّ قبل الخير ليبيّن لنا بأننا محكومون بإرادة الله ، فلنتكيف مع هذه الارادة. ولكي نعي حقيقة هامة تبين
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٣ ـ ص ٤٢٨. وفي الأصل نريهم ولعله خطأ مطبعيّ ، والجائحة : النازلة والشدّة.