[٥٧] ولكن إبراهيم لم يسكت ، ولم يفسح لهم المجال للاسترسال في الصمت والتقليد والخوض في الباطل مع الخائضين ، بل قال :
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)
أي سأحطمها بعد أن تذهبوا لحضور اجتماعات عيدكم. وكان هذا القيد الزمني بسبب إن إبراهيم (ع) كان فردا واحدا فلم يكن من الممكن أن يكسر تلك الأصنام مع وجود أعداد كبيرة من المشركين عندها.
[٥٨] ثمّ شفع تهديده الكلامي بالتنفيذ العملي ..
(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)
حطم تلك الآلهة المزيفة شر تحطيم ، وترك واحدا منها ، كانوا يعدّونه أعظم أصنامهم ، وعلّق معوله في صدره ، ليترك لهم مجالا أكثر للتفكير في حقيقة هذه التماثيل الحجرية التي لا تضر ولا تنفع ، وذلك لأنه كان لديه تصور مسبق لما سيحدث بعد ذلك من إلقاء القبض عليه ومسائلته بعد اكتشاف قومه للأمر ، وكان يريد أن يكسر جدار الصمت ويوقف مسيرة الاسترسال مع الوضع الفاسد ، ولكي يجد فرصة جماهيرية ليبيّن لهم بأن هذه الأصنام لن تسبب لهم الضرر إن كانت مكسّرة ، كما إنّها لن تنفعهم إن ظلت قائمة على منصاتها ، فما ذا عسى ينفعهم هذا الصنم الكبير عند ما يرجعون إليه ويلوذون به؟!