ويبدو أنّهم في البداية لم يتهموها بالفاحشة ، ولكنّهم شيئا فشيئا اتهموها بها بصورة غير مباشرة :
[٢٨] (يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)
لقد ذكّروها بأنها أخت هارون ، والواقع ان مريم لم تكن أختا لهارون ، وانما كانت من عائلة زكية طاهرة نقية يقف في رأسها هارون أخو موسى (عليه الصلاة والسلام) ومن المعروف انه حينما كانوا يريدون أن ينسبوا أحدا الى عائلة كانوا ينسبونه الى عشيرته ، ولأن هارون كان مشهورا بالتقوى والطهارة ، لذلك قالوا لمريم : «يا أخت هارون» وهذا الأسلوب معروفا أيضا في اللغة العربية ، حيث ان العرب حينما كانوا يريدون أن ينسبوا شخصا الى عشيرته يقولون له : يا أخا فلان.
قالوا لها : نحن نعرف أباك ، فلم يكن سيء الخلق ، وأمك لم تكن بغيّا ، فمن أين هذا الطفل؟! ومن هذه الآية نستطيع أن نستوحي مدى تأثير الوراثة والتربية في حياة الإنسان ، لأنهم عرفوا ان العائلة الزكية يجب أن تخرج منها امرأة زكية ، والعكس صحيح غالبا ، فمن عائلة غير شريفة لا يستبعد أن تخرج منها امرأة غير شريفة.
[٢٩] (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)
كيف نكلم من لم يزل في المهد طفلا؟! فظنّوا ان مريم انما تستهزئ بهم ، ولكن لم يلبث عيسى أن نطق بكلام فصيح ، وبيّن :
أولا : ثلاث صفات أساسية لنفسه : عبوديته لله ـ وهي أصل كل خير ـ وانه يحمل كتابا ، وهو نبي.
ثانيا : ثلاث قيم لرسالته ودعوته : (البركة ، والصلاة ، والزكاة).