سترد إليه دنياه التي أخذتها منه ، فسلطني على بدنه تعلم إنّه لا يؤدي شكر نعمة ، قال الله عز وجل : قد سلطتك على بدنه ما عدا عينه وقلبه ولسانه وسمعه ، فقال أبو بصير : قال أبو عبد الله (ع) : فانقض مبادرا ، خشية أن تدركه رحمة الله عز وجل فتحول بينه وبينه ، فنفخ في منخريه من نار السموم ، فصار جسده نقطا نقطا (١) ، فلما اشتد به البلاء وكان في آخر بليته جاءه أصحابه فقالوا : يا أيوب ما نعلم أحدا ابتلي بمثل هذه البلية إلّا لسريرة سوء ، فلعلّك أسررت سوء في الذي تبدي لنا ، قال : فعند ذلك ناجي أيوب ربّه عز وجل : رب ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم إنّه لم يعرض لي أمران قط إلّا لزمت أخشنهما على بدني ، ولم آكل أكلة قط إلّا وعلى خواني يتيم ، فلو أن لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجتي (٢) قال : فعرضت سحابة فنطق فيها ناطق فقال : يا أيوب أدل بحجتك ، قال : فشد عليه مأزره وجثا على ركبتيه وقال : ابتليتني وأنت تعلم إنّه لم يعرض لي أمران قط إلّا لزمت أخشنهما على بدني ، ولم آكل أكلة من طعام إلّا وعلى خواني يتيم ، قال : فقيل له : يا أيوب من حبب إليك الطاعة؟ قال : فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه ثم قال : أنت يا ربّ.
(٣) ونستوحي من هذه الرواية عدة حقائق :
أـ إنّ شكر أيوب كان عظيما فامتحنه الله سبحانه بأعظم البلاء ليعرف الناس أن الشكر ليس عند الرضاء في منطق الأنبياء ، بل وأيضا عند البلاء ، وإنّ أيوب وسليمان في الشكر سواء.
__________________
(١) الى هنا ينقطع الحديث المأثور عن كتاب علل الشرائع عن أبي بصير ، ويستمر بعدئذ حديث آخر مشابه له مأثور في الإمام موسى بن جعفر (ع). انظر المصدر.
(٢) ادلى لحجته : طرحها وأصبح بها
(٣) المصدر / ص ٤٤٧ ـ ٤٤٨.