ولقد جاءت سورة مريم لمعالجة هذه الحقيقة ، ولذلك جاء في الحديث :
«من أدمن قراءة سورة مريم لم يمت حتى يصيبه ما يغنيه في نفسه وماله ..»
والإدمان يشير إلى العمل بهذه السورة ، وتكييف حياة الإنسان وعلاقاته وفقها ، ومن يفعل ذلك فانّه خيرا في علاقاته وحينما يأمره الإسلام أن تكون العلاقة بالطبيعة وزينة الحياة (من أموال وبنين وما أشبه) علاقة امتدادية ، في إطار العلاقة مع الله ، فليس لأنه يريد للإنسان الحرمان من نعيم الدنيا وطيباتها ، إنما يريد له أن يستفيد من ذلك أكبر فائدة ممكنة ، لأن الله هو خالق الحياة والبشر ، وهو أعلم بما يصلحهم ويعود عليهم بالخير ، وبالتالي هو القادر على أن يرسم لهم المنهج السليم في السلوك والعلاقات.
الثانية : إن هناك فرقا بين الوصفة الطيبة والدواء الذي تشتريه بموجبها ، فبينما تشير هي أن الدواء فقط يقوم بملاحقة ميكروب المرض للقضاء عليه. والكتب التربوية والأخلاقية تشبه إلى حد بعيد الوصفة الطبية ، بينما القرآن دواء وشفاء لأمراض السلوك البشري ، فآياته تلاحق الجراثيم والأمراض النفسية في قلب الإنسان وتقضي عليها ، لذلك لا يكتفي القرآن أن ينصحك بكيفيّة تكوين علاقاتك مع أولادك فحسب وانما يتعمّق حتى يصل إلى جذر المشكلة النفسية ويقتلعها ، فيضرب الأمثال ويبيّن حقائق التاريخ ويحللها.
وقد سميت هذه السورة بمريم لأن علاقة مريم الصديقة بابنها عيسى (ع) كانت علاقة فريدة ونموذجية.