اختلف فى ذلك قول مالك. فروى عنه : أنه كره بيعها وكراء دورها ، فإن بيعت أو أكريت : لم يفسخ. وروى عنه منع ذلك.
وليس سبب الخلاف عند المالكية : الخلاف فى مكة : هل فتحت عنوة ، أو صلحا؟ لأنهم لم يختلفوا فى أنها فتحت عنوة.
وإنما سبب الخلاف عندهم فى ذلك : الخلاف فى مكة : هل منّ النبى صلىاللهعليهوسلم بها على
__________________
ـ أخص به من غيره ، وهو البناء ، وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة ، وهى مشتركة ، وللسابق إليها حق التقدم دون المعاوضة ، فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة ، فإن أبيتم إلا النظير ، قيل : هذا المكاتب يجوز لسيده بيعه ، ويصير مكاتبا عند مشتريه ، ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطال منافعه وأكسابه التى ملكها بعقد الكتابة والله أعلم. على أنه لا يمنع البيع ، وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركة بين المسلمين ، فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة ، إن احتاج سكن ، وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع ، فليس فى بيعها إبطال اشتراك المسلمين فى هذه المنفعة ، كما أنه ليس فى بيع المكاتب إبطال ملكه لمنافعه التى ملكها بعقد المكاتبة ، ونظير هذا جواز بيع أرض الخراج التى وقفها عمر رضى الله عنه على الصحيح الذى استقر الحال عليه من عمل الأمة قديما وحديثا ، فإنها تنتقل إلى المشترى خراجية ، كما كانت عند البائع ، وحق المقاتلة إنما هو فى خراجها ، وهو لا يبطل بالبيع ، وقد اتفقت الأمة على أنها تورث ، فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفا ، فكذلك ينبغى أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها ، وقد نص أحمد على جواز جعلها صداقا فى النكاح ، فإذا جاز نقل الملك فيها بالصداق والميراث والهبة ، جاز البيع فيها قياسا وعملا ، وفقها. والله أعلم.
فإذا كانت قد فتحت عنوة ، فهل يضرب الخراج على مزارعها كسائر أرض العنوة ، وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا؟.
قيل : فى هذه المسألة قولان لأصحاب العنوة.
أحدهما : المنصوص المنصور الذى لا يجوز القول بغيره ، أنه لا خراج على مزارعها وإن فتحت عنوة ، فإنها أجل وأعظم من أن يضرب عليها الخراج ، لا سيما والخراج هو جزية الأرض ، وهو على الأرض كالجزية على الرءوس ، وحرم الرب أجل قدرا وأكبر من أن تضرب عليه جزية ، ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليه من كونها حرما آمنا يشترك فيه أهل الإسلام ، إذ هو موضع مناسكهم ومتعبدهم وقبلة أهل الأرض.
والثانى ـ وهو قول بعض أصحاب أحمد : أن على مزارعها الخراج ، كما هو على مزارع غيرها من أرض العنوة ، وهذا فاسد مخالف لنص أحمد رحمهالله ومذهبه ، ولفعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخلفائه الراشدين من بعده رضى الله عنهم ، فلا التفات إليه ، والله أعلم.
وقد بنى بعض الأصحاب تحريم بيع رباع مكة على كونها فتحت عنوة ، وهذا بناء غير صحيح ، فإن مساكن أرض العنوة تباع قولا واحدا ، فظهر بطلان هذا البناء والله أعلم.
انظر : (زاد المعاد ٣ / ٣١٥ وما بعدها).