أيكم يخرج منها ويستخلف فأبى القوم ـ وكان أزهدهم فيها ـ فقلدوها إياه فاستخلف عثمان ، فما زال كل رجل من أهل الشورى يطمع فيها ، ويطمع له فيها أحباؤهم حتى وثبوا على عثمان فقتلوه ، واختلفوا بينهم حتى قتل بعضهم بعضا فهذا الذي سفك دماء هذه الأمة وشق عصاها وفرّق ملأها.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة ، وقرأ عليّ إسناده ـ أنبأ أبو علي محمد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (١) ، نا أحمد بن الحسن الكلبي ، نا محمد بن زكريا ، أنا عبد الله بن الضّحّاك نا هشام بن محمد ، عن أبيه قال : كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب ، فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها أخافه ، وطلبه زياد فأتى الحسن بن علي ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم ، وأخذ ماله وهدم داره ، فكتب الحسن إلى زياد : من الحسن بن علي إلى زياد ، أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، فهدمت داره وأخذت ماله وعياله فحبستهم ، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره ، واردد عليه عياله وماله ، فإني قد أجرته فشفّعني فيه ، فكتب إليه زياد : من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة ، أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة ، كتبت إلي في فاسق لا يؤويه إلّا مثله ، وشرّ من ذلك توليه أباك (٢) ، وإياك وقد علمت أنك قد آويته إقامة منك على سوء الرأي ، ورضا منك بذلك ، وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك. وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك ، فإن أحبّ لحم إليّ آكله للحم الذي أنت منه ، فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك ، فإن عفوت عنه لم أكن شفّعتك فيه ، وإن قتلته لم أقتله إلّا بحبه إياك.
فلما قرأ الحسن عليهالسلام الكتاب تبسم وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح وكتابه إلى زياد فيه وإجابة زياد إياه ولفّ كتابه في كتابه وبعث به إلى معاوية ، وكتب الحسن إلى زياد : من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سميّة : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام وكتب
__________________
(١) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٣ / ١٦٠ وقارن بما ورد في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ / ١٨.
(٢) عن الجليس الصالح وبالأصل : إياك.