إلى زياد : أما بعد فإن الحسن بن علي بعث بكتابك إليّ جواب كتابه إليك في ابن سرح ، فأكثرت التعجب منك ، وعلمت أن لك رأيين : أحدهما من أبي سفيان والآخر من سميّة. فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم ، وأما رأيك من سميّة فما يكون رأي مثلها؟ ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق ، ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسن ، ولأبوك إذ كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه ، وإن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك ، وان ذلك لم يضعك ، وأما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك ، فإذا قدم عليك كتابي فخلّ ما في يدك لسعيد بن سرح ، وابن له داره ، ولا تعرض له ، واردد عليه ماله. فقد كتبت إلى الحسن أن يخبر صاحبه إن شاء أقام عنده ، وإن شاء رجع إلى بلده ، ليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان. وأما كتابك إلى الحسن باسمه ، ولا تنسبه إلى أبيه ، فإن الحسن ويلك من لا يرمى به الرّجوان (١) أفإلى أمه وكلته ، لا أم لك هي فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتلك أفخر له إن كنت تعقل. وكتب في أسفل الكتاب :
تدارك ما ضيّعت من بعد خبرة (٢) |
|
وأنت أريب بالأمور خبير |
أما حسن بابن الذي كان قبله |
|
إذا سار سار (٣) الموت حيث يسير |
وهل يلد الرئبال إلّا نظيره |
|
فذا حسن شبه له ونظير |
ولكنه لو يوزن الحلم والحجا |
|
برأي لقالوا فاعلمنّ ثبير |
قال الغلّابي : قرأت هذا الخبر على ابن عائشة ، فقال : كتب إليه معاوية [حين](٤) وصل كتاب الحسن في أول الكتاب الشعر والكلام بعده.
قال المعافي : والرئبال ولد الأسد ، وقول معاوية : من لا يرمى به الرجوان ، يعني : تثنية الرجاء ، وهو الجانب والناحية وجمعه أرجاء ، قال الله عزوجل : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها)(٥) ، والعرب تقول : فلان لا يرمى به الرّجوان أي لا يستهان به ،
__________________
(١) الرجا : الناحية ويمدّ ، وهما رجوان والجمع أرجاء (قاموس).
(٢) في الجليس الصالح : جرأة.
(٣) بالأصل : شان ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٤) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٥) سورة الحاقة ، الآية : ١٧.