وأعلم بالكتاب والسّنّة ، حتى طالت المنازعة بينهما ، فخرج زيد من المدينة إلى الوليد بن عبد الملك ، وهو بدمشق ، فكبر (١) عنده على أبي هاشم وأعلمه أن له شيعة بالعراق يتخذونه إماما ، وانه يدعو إلى نفسه حيث كان ، فوقع ذلك في نفس الوليد ، ووقر في صدره ، وصدق زيدا فيما ذكره وحمله منه على جهة النصيحة وتزوج ابنته نفيسة ابنة زيد بن الحسن ، وكتب الوليد إلى عامله بالمدينة في إشخاص أبي هاشم إليه وأنفد بكتابه رسولا قاصدا يأتي بأبي هاشم ، فلما وصل إلى باب الوليد أمر بحبسه في السجن فمكث فيه مدة.
فوفد في أمره علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فقدم على الوليد ، فكان أول ما افتتح به كلامه حين دخل عليه أنه قال : يا أمير المؤمنين ما بال آل أبي بكر ، وآل عمر ، وآل عثمان يتقربون بآبائهم فيكرمون ويحبون ، وآل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتقربون به فلا ينفعهم ذلك؟ فيم حبست ابن عمي عبد الله بن محمد طول هذه المدة ، قال : يقول ابن عمكما زيد بن الحسن ، فإنه أخبرني أن عبد الله بن محمد ينتحل اسمي ويدعو إلى نفسه ، وأن له شيعة بالعراق قد اتخذوه إماما ، قال له علي بن الحسين : أو ما يمكن أن يكون بين ابني العم منازعة ووحشة كما يكون بين الأقارب ، فيكذب أحدهما على الآخر؟ وهذان كان بينهما كذا وكذا ، فأخبره خبر صدقة علي بن أبي طالب ، وما جرى فيها ، حتى زال عن قلب الوليد ما كان قد خامره ، ثم قال له : فأنا أسألك بقرابتنا من نبيك صلىاللهعليهوسلم لما خلّيت سبيله ، فقال : قد فعلت ، فخلّى سبيله ، وأمره أن يقيم بحضرته (٢).
فأقام أبو هاشم بدمشق يحضر مجلس الوليد ، ويكثر عنده ويسامره ، حتى إذا كان ذات ليلة أقبل عليه الوليد فقال : يا أبا البنات لقد أسرع الشيب إليك ، فقال له أبو هاشم : أتعيرني بالبنات؟ فقد كان نبي الله شعيب أبا بنات ، وكان نبي الله لوط أبا بنات ، وكان محمدا خير البرية صلىاللهعليهوسلم أبا بنات ، فأي عيب علي فيما عيرتني به؟ فغضب الوليد من قوله ، قال له : إنك رجل تحب المماراة ، فارحل عن جواري. قال : نعم والله أرحل عنك ، فما الشام لي بوطن ، ولا أعرج فيها فيها على شجن ، ولقد طال فيها همّي وكثر فيها ديني ، وما أنا لك بحامد ، ولا إلى جوارك لعائد ، ونهض. وقد أحفظ الوليد فخرج عن دمشق
__________________
(١) في الوافي : فكثر.
(٢) إلى هنا ينتهي الخبر في الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٠ ـ ٣١.