في الأرض يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى ، والملل كلها الحنيفية دين إبراهيم عليهالسلام.
وأما ورقة بن نوفل فتنصّر واستحكم في النصرانية واتّبع الكتب من أهلها حتى علم علما كثيرا من أهل الكتاب ، ولم يكن منهم أعدل أمرا ولا أعدل شأنا من زيد بن عمرو بن نفيل ؛ اعتزل الأوثان ، وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلّا دين إبراهيم ، يوحد الله ، ويخلع من دونه ، ولا يأكل ذبائح قومه ، باداهم بالفراق لما هم فيه.
قال (١) : وكان الخطاب بن نفيل قد آذى زيد بن عمرو بن نفيل حتى خرج عنه إلى أعلى مكة فنزل حراء مقابل مكة ، ووكل به الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم ، فقال : لا تتركوه يدخل مكة ، فكان لا يدخلها إلّا سرا منهم ، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم (٢) ، وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم ، وكان الخطاب عم زيد وأخاه لأمه ، وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعد ، فولدت له زيد بن عمرو ، وكان الخطاب عمه وأخاه لأمه ، فكان يعاتبه على فراق [دين](٣) قومه حتى آذاه ، فقال زيد بن عمرو ، وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما استحل من قومه :
اللهم إنّي محرم للحلة (٤) |
|
وإن بيتي أوسط المحلة |
عند الصفا ليس بذي مضلّة (٥) |
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ، قالا : أنبأ أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزّبير بن بكّار ، حدّثني عمي مصعب ، ومحمد بن الضحاك ، عن أبيه ، قالا : كان الخطاب بن نفيل قد أخرج زيد بن عمرو من مكة هو وجماعة من قريش ، ومنعوه أن يدخلها حين فارق أهل الأوثان ، وكان أشدّهم عليه الخطاب بن نفيل ، وكان زيد بن عمرو إذا خلص إلى البيت استقبله ، ثم قال :
__________________
(١) سيرة ابن إسحاق ص ٩٧ تحت رقم ١٣٢.
(٢) ابن إسحاق : يفسد عليهم دينهم.
(٣) زيادة عن ابن إسحاق.
(٤) كتب فوق اللفظة بالأصل : «لا احله» وفي سيرة ابن إسحاق وابن هشام : لا حلّه.
(٥) سيرة ابن إسحاق : مظله.