يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، والوفاء بالعهد ، والصدق ، وأداء الأمانة ، فإن كان ما قلت حقا فيوشك أن يهلك ما تحت قدميّ هاتين ، والله لو إني أرجو أن أخلص إليه (١) إليه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه.
قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من محمّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية (٢) الإسلام أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن تولّيت فعليك إثم الأريسيين (٣) ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) ، إلى أن بلغ (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(٤) ، فلما قضى مقالته علت أصوات من حوله من عظماء الروم ، وكثر لغطهم ، فلم أدر ما قالوا ، وأمر بنا فأخرجنا ، فلما خرجت خلوت بأصحابي ، فقلت : لقد أمر (٥) أمر ابن أبي كبشة (٦) ، ملك (٧) بني الأصفر تخافه ، فو الله ما زلت ذليلا مستيقنا على أن أمره سيظهر حتى أدخل الله [قلبي](٨) الإسلام وأنا كاره.
أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبيد الله الزهري ، نا يحيى بن محمّد بن صاعد ، نا عبد الله بن عمران العابدي ، نا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ومرة يقول : نا ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس.
قال أبو سفيان بن حرب : خرجنا في المدة التي بيننا وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أتينا غزّة فخرج إلينا أسقف ، فبعث بنا الأسقف ، فلما أتي بنا إليه دخلنا عليه ، فقال : أيكم
__________________
(١) غير مقروءة بالأصل.
(٢) أي بدعوته ، وهي كلمة التوحيد.
(٣) عن صحيح مسلم وبالأصل : «المريسيين» وهم الأكّارون ، أي الفلاحون والزراعون.
(٤) سورة آل عمران ، الآية : ٦٤.
(٥) أمر أي عظيم.
(٦) قيل إنه رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها ، فشبهوا النبي صلىاللهعليهوسلم به لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبشة.
وقيل : أبو كبشة كنية وهب بن عبد مناف جد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قبل أمه فنسب إليه لأنه كان نزع إليه في الشبه. (انظر اللسان : كبش).
(٧) كذا ، ولعله : «ملوك» أو : «ملك بني الأصفر يخافه» يصح أيضا.
(٨) زيادة عن دلائل البيهقي ٤ / ٣٨٠.