أخرى فيقبض بنفسه على عنق الواحدة ويطرحها في النار على وجهها ، ويدوس على ظهرها ويضغط على رأسها ، حتى يتم شيّها في النار وتهلك فيرفعها ويحضر غيرها ، وعلى هذه الصورة الشنعاء أهلك الجزار سبعا وثلاثين امرأة ولم تنج غير فتاة في الثامنة من عمرها.
كان الجزار يقتل الكبير والصغير من وزراء وأفندية وعلماء وأغوات ، ويرضي السلطان بالمال ويداريه فيتغاضى عنه ، وكان إذا عامل أحد المغضوب عليهم بالرفق وعزف عن قتله يجذم أنفه ، ثم يصلم أذنه اليمنى ثم يقلع عينه اليمنى ولو كان من خواص خدامه. وكم من بيت خربه بسلب ماله ظلما ، وكم من رجل قتله بعد أن صادره ، وكان لا ذمة له ولا ذمام ، خدمه رجال من بيوت معروفة فلما بدا له قتلهم وصادرهم واختلق لهم ذنوبا وألقاهم في البحر. ولقد أكرمه الأمير يوسف الشهابي حاكم لبنان لما كان الجزار صعلوكا متشردا لأول أمره وعاونه لما أصبح واليا ، فكانت النتيجة أن شنقه وألقاه ثلاثة أيام معلقا ، ولطالما أخذ النوتية والركاب في مراكب كانت قادمة من مصر قبل مجيء الفرنسيين إليها ، وقتل جميع من فيها من أبناء مصر أو الشام وصادر جميع ما يحملون من البضائع.
تفنن الجزار في إهراق الدماء وحكم المؤرخين عليه :
وكان من عادة الجزار بعد أن يصادر المصادرين أن يقتلهم كما فعل سنة ١٢٠٥ فقبض في دمشق على أولاد عبيد وأخذ منهم ستين ألف قرش ففروا إلى حلب ثم قبض على ثلاثين من أتباعه وسجنهم في القلعة ففدوا أنفسهم بمائتين وخمسين ألف قرش ثم قتلهم ليلا ، وقبض على خازن أمواله وأسبابه ونفاه إلى مصر ، وقبض على مفتي عكا وإمامها وعلى رئيس مينائها فقتلهم صبرا. وظلم جميع أكابر دمشق وسلب أموالهم.
وخرج ذات يوم في عكا قبل الشمس إلى باب السراي وأمر بإغلاق أبواب المدينة وقبض على كثيرين من العمال والكتاب والأهالي فسجنهم ، وكانوا مائتين وثلاثين إنسانا وقبض على النواب وسجنهم ، وكان كلما تقدم إليه