في شرقي الأردن ، وهكذا خرجت الصهيونية رابحة بعض الربح من الحرب ولكن أعمالها لم تصطدم بقوة عملية بعد ، وإنها وإن كانت الآن في دور المد فسيأتي عليها دور الجزر فلا يجد رجالها مأوى يعودون إليه ويندمون على ما فقدوه من تمازجهم بالأهالي الذين عاشوا وإياهم دهرا طويلا ا ه.
الصهيونية بعد الحرب :
وضعت الحرب العالمية أوزارها ، وكل أمة تنتظر أن يصيبها قسط وافر من حقوقها المسلوبة. فتلمس اليهود المشتتون في أقطار العالم بصيص تصريح بلفور ، ينظرون إليه نظرهم إلى صك هبة أو بيع قطعي يخولهم امتلاك فلسطين ، فشمخت أنوفهم وأعلن قوادهم أن فلسطين يهودية كما أن انكلترا انكليزية ، وما على العرب إلا أن يرجعوا إلى جزيرتهم ، ونشروا راياتهم بكثرة وفي كل مكان وأنشدوا نشيدهم القومي ، وأخذت الحكومة تصطبغ بالصبغة اليهودية ، فتولى رئاستها صهيوني صميم ورئاسة النيابات صهيوني متطرف ، وتغلغل الصهيونيون في جميع الدوائر وسيطروا على الإدارة العامة ، وصارت اللغة العبرية لغة رسمية ، وظنوا أنهم سيأتي إلى فلسطين ألوف من اليهود بسرعة يؤلفون الأكثرية الساحقة ثم ينشئون دولة يهودية تتم بها النبوات القديمة ، ولم يعلموا ما يقابلهم من الصعاب في تحقيق أمنيتهم ، وتجاهلوا أن القطر يسكنه ثلاثة أرباع مليون عربي يملكون أرضه ويستغلون موارده ، وعبثوا بالرأي العام الإنكليزي وتهاونوا في إيجاد عمل للمهاجرين وعجزوا عن إعداد سبيل المعيشة لهم فوقعت في أزمة اقتصادية وبقي قسم كبير من المهاجرين مدة طويلة بلا عمل.
أما الشعب العربي الجريء فإنه كان ينتظر من الحلفاء إنصافا لا سيما بعد أن انشقوا عن حكومتهم التركية وشاركوهم في الحرب. فكانت نفوسهم تصبو إلى الاستقلال التام أو إلى الاستقلال الداخلي تحت إشراف بعض الدول المخلصة. ولما انقشع ظل الأتراك ظهر الحلفاء بمظهر الجشع وقسموا سورية إلى حكومات وأجزاء فأدرك عرب فلسطين أن اليهود يسعون لتأسيس حكومة يهودية في مجرى تنفس جسم الديار العربية ، فغضبوا وأنشأوا الجمعيات الإسلامية المسيحية وألهبوا صدور الأهالي وأثاروا نفوسهم ، فاشتعل الروح الوطني بين جوانحهم