إهلاك أحرار الشام والسياسة الاتحادية مع العرب :
خطب جمال باشا لأول شخوصه إلى الشام في النادي الشرقي بدمشق (١٣٣٣) قائلا : يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم ، منذ شروق أنوار الديانة الأحمدية ، أحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام ، عضّوا على عربيتكم بالنواجذ ، ودافعوا عنها بكل قواكم ، اعملوا على ترقية العرب والعربية جددوا مدنيتكم ، قوّموا قناتكم ، كونوا رجالا كاملين ـ جهر بهذا على رؤوس الأشهاد وقال مثله لأرباب الأقلام في مجالسه الخاصة ، بيد أنه كان يفكر هو وجماعته من الاتحاديين في الطرق إلى الانتقام من العرب المخالفين ، وإنزال العقوبة بمن رفعوا أصواتهم بالمطالبة بحقوق لأمتهم فعدوهم خائنين للدولة ، وما هم إلا مخالفون على الأغلب ، والمخالفة طبيعية في كل حكومة دستورية بل في كل حكومة ، تظهر وتستتر بحسب الأحوال والدواعي ، وعدّ الائتلافيون أي الداخلون في حزب الحرية والائتلاف خائنين في نظر الاتحاد والترقي ، وكان بعض أعضاء الحزب ينزعون منزعا انكليزيا أي يحبون أن يعملوا بمشورة بريطانيا ، وبعض حزب الاتحاد ينزعون منزعا ألمانيا ، وحسب الاتحاديون من الخائنين أيضا جماعة الإصلاحيين في بيروت أي المطالبون بالإصلاح في ظل العثمانية ، واللامزكزيين أي المطالبون بتوسيع سلطة الحكومات المحلية. وكان هذا الحزب تألف في مصر من الشاميين وأنشئت له فروع في بعض مدن الشام وقصباته ، وتألف حزب فتيان قحطان في الإستانة. وهكذا قل في جمعية العهد العسكرية والجمعيات اللبنانية المختلفة المقاصد في لبنان والمهاجر.
فلما دخلت الدولة في الحرب رأى الاتحاديون أن الفرصة آذنت للقضاء على كل فكرة تخالف ما هم عليه وأصحابهم في سياسة الملك ، وتلقي الرهبة والهول في كل القلوب ، واعتزوا بمحالفة الألمان وبالأموال التي كانت تقرضهم إياها بالملايين ، وليس أحسن ملائمة من هذا الدور لتولي أحد كبار أساطينهم أحمد جمال باشا زمام القوة في الشام ، وهو الذي كان تولى قتل المخالفين في الإستانة من الأتراك أنفسهم ، وقتل حتى صهر السلطان ، فأصبح متمرنا على الانتقام من كل من يخالف مذهبه السياسي ، أو كما قال عن نفسه في آخر