العهد العثماني
«من سنة ١٢٧٧ إلى ١٣٠٠»
بعد فتنة سنة الستين :
خرج الأهلون في دمشق ولبنان بعد المذابح الفظيعة في تلك السنة المشؤومة ، وقد خسروا مادياتهم ومعنوياتهم. هلكت النفوس التي حرم الله قتلها ، وهلك ألوف من النصارى ومئات من المسلمين والدروز ، وخسر أهل المدن والقرى أموالهم ، وخربت الدور والقصور ، وحرقت البيع والأديار. وكانت الخسائر في المعنويات أشد لأن الغرب أساء الظن بأهل هذه الديار ، وأجمل حكمه عليهم كافة وعدّهم متوحشين ظالمين ، ولم يستطع أحب الناس من الأوربيين للمسلمين أن يدافعوا حق الدفاع عنهم ، مع علمهم بأن الفتنة أمر دبر بليل ، والدولة هي المسؤولة أولا وقد رجحت كفة الدروز في مدينة دمشق بما جاءهم من نجدات الحورانيين أبناء مذهبهم ، فكان من الدروز أن اشتركوا أكثر من المسلمين في هذه المذابح. وكان للجند النظامي وغير النظامي من الأجناس المختلفة يد في قتل النصارى في ضواحي صيدا وبيروت ودير القمر وحاصبيا وراشيا وزحلة ودمشق وغيرها ، وهم الذين هتكوا الأعراض على الأكثر فباءوا بالخزي والعار ، وأخذت أوربا بعد أن قويت علاقاتها التجارية بالشام تسعى إلى تقليلها ، لأن كابوس الفتنه استولى بعد تلك الوقائع على العقول في الغرب والشرق سنين كثيرة ، وربما دام حتى انقرض من شهدوها وسمعوا بفظائعها.
جمعت الدولة للمنكوبين غرامات حربية من الأهلين بما زاد عن طاقتهم ، ولم يصل إلى المصابين كما قال مشاقة أكثر من ربع الذي تكلفت له الدولة ،