به الدولة التفريق بين أجزاء قلوب أبناء الوطن الواحد المشتركة منافعهم المتحدة مرافقهم ، قد سلبت شطرا من سلطتها ففتحت أبواب ديارها لدول أوربا بأن أعطتها الحق لحماية طوائف من رعاياها ، وكانوا لا يرون غيرها مرجعا لهم في الشام ، وأوجدت مسألة «حماية الأقلية» على مقياس واسع ، فنتج من ذلك إنشاء حكومات داخل حكومة ، وأصبح رؤساء الدين من النصارى يراجعون العمال في شؤون طوائفهم في التافهات والمهمات ، ويريدونهم على تأييد مطالبهم وإن كانت جائرة أحيانا ، وصار العامل إذا لم يخفض جناح الذل للرئيس الروحي على ما يجب يقيله من وظيفته بما لديه من الوسائط الفعالة. وأمست دور القناصل بعد الحادثة محاكم دائمة للنظر في قضايا من علقوا آمالهم على الدولة التي تمثلها تلك الدار. وغدا قنصل روسيا مسيطرا على مسائل الروم الأرثوذكس ، وقنصل فرنسا الحاكم المتحكم في قضايا الباباويين ، وقنصل بريطانيا العظمى مهيمنا فيما يعرض للبرتستانت والدروز ، وغدا أهل كل نحلة يجعلون من الدولة التي يمتّون إليها معقد آمالهم ، ويدعون في سرهم وجهرهم أن يقرب أيام حكمها مباشرة عليهم ، ونزل كثير من الطوائف عن مشخصاتهم فأصبحوا عربا بالدم متفرنجين بالتربية والعادات ، يحتقرون ما كان عليه أجدادهم ويغالون في اقتباس ما عند غيرهم ، خصوصا إذا كانوا ينتحلون نحلتهم ويرون في الآخرة رأيهم. على ان الحادثة فتحت لجميع السوريين أبواب الأخذ عن الغرب وما كان ذلك مما أضر على إطلاقه ، بل جاءت منه فوائد مهمة في باب الحضارة. والعبرة المهمة التي أخذها الناس من هذه الفتنة المشؤومة إيقان جمهور تلك الطوائف التي عبث بها العابثون ، أن التبعة على قدر الفهم وأن القتلة وأرباب الدعارة نال شرهم الأبرياء من طوائفهم ، وأنه لا يؤاخذ إذا جدّ الجد غير أهل المدارك وعيون الناس.
وكم ذنب مولّده دلال |
|
وكم بعد مولده اقتراب |
وجرم جره سفهاء قوم |
|
فحلّ بغير جارمه العقاب |