العهد العثماني
«من سنة ١٣٠٠ إلى سقوط عبد الحميد الثاني»
الحالة في مبدإ القرن الرابع عشر وإصلاح جبال النصيرية والسبب في خرابها :
غدت الدولة العثمانية أوائل هذا القرن قوية الشكيمة لسرعة الاتصال مع دار السلطنة، وتشعب الأسلاك البرقية وطرق البريد ، وشدة مراقبة دول أوربا لأعمال السلطنة ، وتسابق الدول في تأييد نفوذهن في الولايات. وامتاز لبنان الذي كان يكثر ترداد اسمه بثوراته وإقطاعاته الحين بعد الآخر ، بأن انقطع ذكره بعض الشيء من باب المسائل المزعجة ، وأصبح يعمل لنفسه بما متع به من امتياز خاص ، ولم يعد الدرزي والماروني فيه يقتتلان كما كانا في القرن الماضي لتأييد سلطان ملك أو أمير ، أو للأخذ بيد صاحب الإقطاع أو حبا بالغارة والنهب والقتل.
ونشبت فتن في جبال النصيرية لأن هؤلاء لم يتأت لهم نصير من الغرب كما قام للبنانيين يأخذ بأيديهم إلى السعادة التي يتخيلها لهم ، ويسوقهم إلى طريق الحكم الذاتي ولو على صورة ابتدائية ، وكان أهل السنة المجاورين للنصيرية ينظرون إليهم نظر الازدراء ، وهم في جبالهم يعدون قوة يحسب حسابها ، وإذ كانوا طوع إرادة مشايخهم ورؤساء قبائلهم كانت سلطة الدولة عليهم قليلة. وإذا كتب للدولة ان أحرزت بعض سلطان عليهم في الشواطىء البحرية أو في الأماكن القريبة من ضفاف العاصي من جهة الداخل ، فإن أعالي الجبال كانت معتصمهم ، وربما كان فيها أماكن لم تدسها حوافر الخيول التركية لوعورة مضايقهم ، وقد أرسل السلطان عبد الحميد رجلا من خاصته اسمه