غدا يحتاج إلى أسباب في النقل أسرع ، وسلاح في الفتك أقطع ، غدا يحتاج إلى علم وعدد، أكثر من احتياجه إلى أسماء ضخمة وعدد ، وأصبحت السبياسة والإدارة والحرب علوما عملية ، والدربة والتنظيم رأس كل أمر ، والجيوش بنظامها وقيادتها وعددها وذخيرتها وبالفكرة المتشبع بها أفرادها ، فكيف تنجح بعد الآن دولة تعد الجهل من مظاهر القوة ، وكيف لا تتجلى الفروق بين دولة جمدت ولم تعمل ، ودول تحركت ونمت وربت ، وبين أمة فتحت أقطارا واسعة منذ قرون وبقيت طول حياتها الطويلة تصارع عناصرها ويصارعونها ، وهي عنهم غريبة وهم عنها غرباء لم تتمثلهم ولم تتمثل فيهم كما فعل محمد علي فتمثل في مصر والمصريين.
لماذا تراجعت الدولة العثمانية :
نسب ميشو انحطاط الدولة العثمانية وإخفاقها في حكم الولايات التي افتتحتها إلى عدة أسباب أهمها الجهل والجمود والغرور قال : «ومن حسن طالع النصرانية أنه لما فترت الهمة في الحروب الصليبية التي يراد بها حماية أوربا ، أخذ الأتراك يضيعون شيئا من قوتهم العسكرية التي أخضعوا لسلطانها الشعوب النصرانية ، فكان العثمانيون بادىء بدء الأمة الوحيدة التي كان لها جيش دائم منظم تحت السلاح ، وبه أحرزت الدولة التفوق على الأمم التي تريد إخضاعها لسطوتها. وغدت أوربا في القرن السادس عشر ، ولمعظم ممالكها جيوش يقاومون بها أعداءهم ، وسرعان ما انتشر النظام والتربية العسكرية بين شعوب النصرانية. وأخذت المدفعية والبحرية تزيد كل يوم نظاما ورقيا في الغرب ، على حين كان الأتراك يزهدون في التجارب التي وصلت إليها الجيوش البرية والبحرية ، ولا يستفيدون بتاتا من العلوم التي انتشرت بين أعدائهم وجيرانهم ، ويزاد على ذلك ما عبث بكيان الأتراك من الخرافات وقلة التسامح ، فحال ذلك دون فتوحهم. كانوا إذا استولوا على ولاية يحاولون أن يحكموها بأنظمتهم ، ويغرسوا فيها عاداتهم وعباداتهم ، فاقتضى لهم من ثم أن يبدلوا وجه كل شيء ويقضوا على حياة كل شيء في