سقوط الأناضول وتضاؤل السلطان العثماني أمام الجيش المصري :
وما زال الجيش المصري يتقدم في الأناضول حتى وصل إلى كوتاهية وأراد أن ينزل بورصة بحجة أن ليس له في أواسط الأناضول حطب ومؤنة في الشتاء ، وكانت الطريق إلى الإستانة أمامه مهيعا لا يقف فيها ما يوقف سيره ، وأهل الأناضول والإستانة راضون عنه ، وأشاع إبراهيم باشا أن مقصده من غزوته هذه توطيد دعائم السلطنة. وكان رجاله من الأوربيين يحثونه على أن يواصل السير ويفتح الإستانة ، وأن لا يقتصر على فتح الشام وعلى ما أخذه من آسيا الصغرى ولو استمع إليهم لقامت الدولة المصرية في القسطنطينية بدلا من دولة الأتراك ، فأعاد محمد علي بذلك الدولة العربية. قال دي لاجونكيير : ولم يكن لمحمد علي هذا النظر البعيد وهذا الطموح ، بل لم يكن يطلب غير الاستقلال والتوسع في الملك. وبقيت هذه المشكلة التي كان يتأتى أن يكون منها عراك بين قوميتين هما العربية والتركية ، مقصورة على دائرة معينة من الحرب ، لم تتعد حد القتال بين ملك وأحد عماله الناشزين عليه.
ولما رأى السلطان محمود ما آلت إليه حاله ، عرته الدهشة وداخله الفزع ، فطلب معاونة الدول العظمى علنا لتعينه على محمد علي ، وحرص خصوصا على معاونة روسيا التي أصبحت بعد معاهدة أدرنة ترى نفسها حامية الدولة العثمانية ، وليس من مصلحتها أن تكون هذه الدولة قوية ، فأخرجت روسيا إلى الإستانة اثني عشر ألف جندي ، واستدعي فيلق البغدان وهو مؤلف من أربعة وعشرين ألف مقاتل ليأتي إلى الإستانة ، وعقدت معاهدة في كوتاهية على أن تبقى الشام وأذنة وجزيرة كريت لمحمد علي ويرحل عن الأناضول على مال معلوم يدفعه كل سنة قيل إنه ستون ألف كيس وذلك لمدة خمس سنين والسلطان لا يسأل محمد علي غير ذلك ، والخطبة تلقى في المساجد باسم السلطان. وعقدت روسيا معاهدة سرية مع الدولة العثمانية مدتها ثمان سنين ، دعيت معاهدة «خنكارا إسكله سى» وهي دفاعية هجومية كان القصد منها جعل المضايق في قبضتها ، فهلعت قلوب أوربا لذلك، وأخذت انكلترا تحسب لهذه المعاهدة ألف حساب.
ولما انتهت شؤون الفتح جعل إبراهيم باشا مقره في أنطاكية ، فكان يحضر