دور الحكومة المصرية
«من سنة ١٢٤٧ إلى سنة ١٢٥٦»
حالة الدولة العثمانية عند إذلال جيش محمد علي الكبير لها :
كانت الدولة العثمانية إلى أواخر منتصف القرن الثالث عشر جسما كبيرا تعروه نوبات عصبية من حين إلى آخر فيردها بقوته ، أو يطول زمنها عليه حتى تنتهي بطبيعتها. وصاحب المرض إذا طالت عليه معاودة النوبات قد يألفها ويظن أنه بريء من كل خطر ، على حين تكثر آلامه ، وتقرب منه حمامه ، والأدوار العصبية أشد ظهورا في ألم الجسم ، وإذا تكررت على المصاب يصير إلى العجز فلا يستطيع أن يدفع ضرا ولا يجلب خيرا. فكانت الدولة العثمانية إذا نظر إلى ظواهرها يظن معها قوة ، وفي الحقيقة هي إلى ضعف لكثرة ما استحكم فيها من أمراض وساورها من أوجاع ، غفلت عن تعهد قوتها الحقيقية ، فكانت تعلو وتسفل وتطفو وترسب ، بحسب مقدرة القائمين عليها من الصدور والسلاطين ، تقوم بالفرد ولا شأن للجماعة في معالجة ما يصلحها من تقنين وأصول إدارة ، وأهم ما امتاز به جندها الطاعة للرؤساء إلا أنها أصبحت في حروبها تستهلك أكثر مما تستحصل ، لأن جيش الإنكشارية وهم مستندها في قوتها عراه الانحلال فغدت الوقعة التي كان يكتفى فيها بعشرة آلاف مقاتل تسوق إليها ثلاثين ألفا ثم يشغب ولا يعمل عملا. ولا عبرة بالعدد إذا كان المجموع أقرب إلى التفسخ ، ومعنويات المقاتلين إلى الضعف.
إن بعض الغوائل التي أصيبت بها المملكة والشام من جملتها في هذا القرن والذي قبله كانت بصنع جيش الإنكشارية وتمرده على رؤسائه ، وبضعف