بمثله تنجو الممالك من المهالك. وقال دي لاجونكيير : إذا كان السلطان محمود أقل سعادة من بطرس الأكبر في إرادة التجدد فإن منشأ ذلك بأن بطرس الأكبر قد وجد أمة لا تزال على الفطرة أي جديدة ، وكان من الأسهل أن تنظم وتصاغ ، وعلى العكس في محمود فإنه صادفته عقبات من الأوضاع القديمة ، أوضاع نشأت وكبرت مع المملكة وكان منها فيما مضى قوتها وقدرتها ، أوضاع وضعها السيف وأيدها الظفر وقدّسها الدين.
تولى دمشق صالح باشا ثلاث سنين وثلاث مرات كل مرة سنة وأظهر شدة زائدة ثم تولاها ولي الدين باشا (١٢٤٢) وكان أحمق مغفلا مهملا ثم عزل ونصب عبد الرؤوف باشا (١٢٤٣) وكان عادلا لطيفا وطمعت الشام به لعدله وفي ١٢٤٣ أحدث وزير دمشق مظلمة على سبع عشرة قرية من البقاع فأمر الأمير أهل تلك القرى اللبنانيين أن يرجعوا بمالهم إلى إقليمهم فرجعوا فخرب البقاع فارتضى وزير دمشق حينئذ بأخذ عشرين ألف قرش من تلك القرى وكتب إلى الأمير أنه رتب العشرين ألف قرش عوضا عن المال الميري والقسم أي الثلث.
محاولة الدولة قتل النصارى وفتنة نابلس :
وأرادت الدولة أن تنتقم من نصارى الشام بل من النصارى في أنحاء المملكة لثورة اليونان عليها ومطالبتها بالاستقلال يوم ثورة المورة (١٢٤٤) وجزائر البحر المتوسط فأمرت والي دمشق أن يقتل المفسدين من كبراء طائفة الروم فعقد مجلسا من أعيان دمشق وتلا أمر الإستانة على مسامعهم ، فكان جوابهم أنه لا يوجد من النصارى عندنا المفسدون وجميعهم ذميون سالكون بشروط الذمة فلا تجوز أذيتهم. لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وأن الرسول عليهالسلام أوصى بالذميين وقال : من آذى ذميا كنت خصيمه يوم القيامة. ونحن لا نقدر أن نتحمل هذه التبعة ، وكتبوا محضرا للدولة بحسن سلوك نصارى الإيالة وطاعتهم ودفعهم المرتبات الأميرية وأنهم يستحقون حسن الرعاية والمرحمة من السلطنة السنية. ولعمري أي علاقة للثائرين في جزائر البحر والمورة مع الآمنين من الرعايا في الشام ، فقد أبان عقلاء دمشق إذ ذاك عن رأي سديد ، ولكن لا