فضاع الربع الثاني في النفقات اللازمة ، والثالث اختلسه مأمور والحكومة ، والربع الرابع ربحه صيارفة اليهود ، وبالجملة فإن الخسارة وقعت على الدولة والمسلمين والنصارى ، ولكن الدولة استعاضت عما فقدت تذليل الرعايا وإخضاعهم لكل ما ترسمه عليهم ، حتى لقد جبى فؤاد باشا بقايا الأموال في دمشق التي أعيا الولاة تحصيلها على أيسر وجه ، ولم يبق للعشائر رؤساء تتعب الحكومة بمعارضة أوامرها.
وخرج لبنان من فتنته ممنوحا استقلالا إداريا ، وأخذ يستمتع منذ سنة ١٢٨١ بنظام خاص فينتخب له الباب العالي متصرفا نصرانيا بموافقة الدول الست العظمى ويعطي الدولة بالاسم ثلاثة آلاف وخمسمائة كيس خراجا سنويا ، وبقيت تسد العجز في موازنة الجبل مدة طويلة ، وأهم ما ربحه لبنان القضاء نهائيا على سلطة أرباب الإقطاعات. وأصبح كما قال بعضهم في عهده الجديد ملجأ للأحرار من كل نحلة كما كان بفضل الأمراء المتولين عليه من آل عساف وآل معن وآل شهاب ملجأ للطوائف الكاثوليكية.
أما مسلمو دمشق فبدأت أيام ذلهم بالقضاء على كبرائهم ، وكان في قتلهم وتشريدهم عبرة لمن خلفهم أو نجا من المعمعة ، وأصبحوا عبيد الدولة حقيقة في كل ما تأمر به ، حتى إن منهم من كانوا لا يراجعون الوالي وإن كان غلطه ظاهرا كل الظهور حتى لا يغضبوه بزعمهم ، ولطالما حاول بعض الولاة العقلاء أن يعلمهم حسن الدفاع المعقول عن حقوق الأهالي ، فكان جوابهم أن افعلوا يا مولانا ما تشاءون فإنا لا نحب المناقشة مع العظماء. إفراط في العهد الأول وتفريط في العهد الثاني.
السلطان عبد المجيد وخلفه عبد العزيز :
توفي السلطان عبد المجيد سنة ١٢٧٧ (١٨٦١) أي بعد مضي أشهر من انتهاء فتنة الشام ، وكان عهده سيئا يحكم في شؤون المملكة السراري والجواري والمقربون في القصر السلطاني ويسرف السلطان في الأموال ويبدد ثروة السلطنة ، وكان إسرافه مبدأ ارتباك الدولة في ماليتها ، فإن عبد المجيد لما زوج ابنته فاطمة