فتحصنوا في اللجاة فقتلهم العرب ولم يسلم من الجند إلا القليل ، وبعد سنتين تولى دمشق سليمان باشا وكان عادلا إلا أنه محب للمال. وذكر جودت أن جماعة من الحشاشين والأشقياء (١٢٣٥) أخلوا بالأمن في حلب حتى كان الولاة يضطرون أن ينزلوا خارج البلد في مكان اسمه الشيخ بكير وأنه لم يمض على الثمانية عشرة شقيا الذين كان قتلهم بالخدعة جلال الدين باشا جبار واليها ، حتى عاد الأشقياء فكثروا وأرادوا القيام بثورة ، فتدارك الوالي الأمر باستدعاء الجنود الكثيرة ، وحسم هذه النازلة. قال بعد أن ذكر أربعة أبرياء قتلوا في حلب بدلا من أربعة مجرمين بواسطة أحد الأعيان : كان على ذلك العهد بين الأعيان كثير من الأردياء الأشرار ، وهذه الحالة لم تكن خاصة بالإستانة ولا بالولايات ، وكان قتل الإنسان في سهولته كتقطيع لحم الدجاج ، حتى حدث مرة أن الأراجيف كثرت في الإستانة وبينا كان مجلس الوكلاء ينظر في طريقة لحسم مادتها قال حالت أفندي : إن أحسن طريقة أن يقطع رأس الحلاق المقيم في «أوقجيلر باشي» وبذلك يحدث للناس خوف ودهشة وتنقطع مادة الأراجيف ، فقال له أحد الحضور : عفوا إن هذا حلاقي فقال حالت أفندي : ليس هذا الذي أردت أن أضرب عنقه بل الحلاق الذي يسكن في في الطرف الآخر وبذلك يحصل المقصود. قال وبالجملة فقد كثر في تلك الأيام في الإستانة وخارجها من اسودت قلوبهم وقست أفئدتهم من الناس ، وكانت الإدارة من كل وجه مختلة بحيث لا يتيسر وصفها ولم يبق من وسيلة إلا تجديد الأصول وإصلاح أمور الدولة وتنظيمها ، وقد نال هذا الشرف والي مصر محمد علي باشا والفضل للمتقدم ا ه. وهذا كلام مؤرخ رسمي يكتب للسلطنة ، والحقيقة أن الحالة كانت أسوأ مما وصفها به.
وقعة المزة واستسلام الدولة لوالي عكا :
تولى دمشق سنة ١٢٣٥ درويش باشا ، وفي أيامه اعتدى جماعته على مزارع ابن شهاب وابن جنبلاط في البقاع فاضطر والي الجبل إلى إرسال جند لمحاربته ، وأرسل والي عكا جندا ووقع القتال فانتصر والي الجبل على والي