ابن جبار هذا عين اثنين يتجسسان أخبار الناس الذين تجب مصادرتهم فكان يرسل اثنين حاملين بلطة يأتيان بمن يجب مصادرته ، فيزج في الحبس ويوضع في رقبته سلسلة لها شوك ، ثم يطالب بما قرر عليه وهو جرم أو جرمان ، والجرم أربعون كيسا والكيس خمسمائة قرش ، فمن لم يدفع الجرم في ثلاثة أيام يخنق ويرمى تجاه باب القلعة ، وكلما خنقوا واحدا أطلقوا مدفعا فكان يعلم عدد المخنوقين في الليلة من عدد المدافع ، وكان الوالي إذا أراد النزول إلى السوق أمر فزينت له الأسواق نهارا فينزل ومعه «البلطجية» والعساكر عن يمينه وشماله فيدور في الأسواق ، ومتى أدار وجهه إلى رجل فإن البلطجية يأتون ويضربون رقبة صاحب ذلك الحانوت ، يفعل ذلك بثلاثة أو أربعة أشخاص ثم يعود ، ولما تكرر منه هذا العمل الفظيع سأله وجوه البلد عن سبب قتل هؤلاء وما ذنبهم فكان يقول : لا ذنب لهم غير أني أقصد إرهاب الناس. وتعذيبه الناس وأخذهم بالتهم الباطلة من المأثور عنه المشهور به.
وجاء بعده خورشيد باشا وكان يصلي ويصوم لكن أتباعه يفعلون كل كبيرة وهو عنهم ساكت ، وحدث أن الأهالي هجموا على دار رئيس دائرته سليمان بك وقتلوه وحملوا سائر أتباعه بما عندهم من أدوات الفحش والخمر إلى القاضي فعد الوالي ذلك نشوزا على السلطنة من أهل حلب فاستدعى عسكرا فجاءته جملة مستكثرة منهم ، فوقعت وقعة بين العسكر والعصاة في محلة قسطل الحرامي (١٢٣٥) فانكسر العصاة وهاجم العسكر البلدة وأخذوا يطلقون المدافع على أسوارها فخربوا جانبا منها ودام الحصار ١١١ يوما وجرى القتال داخل البلد في الشوارع والأسواق ، وكان القتال سجالا بينهم الى أن فر العصاة من الأهالي ودخل الولاة فيمن معهم من العسكر واحتلوا البلدة وقتلوا سبعة من كبار العصاة وأرسلوا برؤوسهم إلى الإستانة. وقد قال الأهالي إنهم ثاروا لشدة ما كانوا يلقونه من العنف وما كانوا ينوءون تحته من ضريبة الدور التي ضربت عليهم في سنة قحط وغلاء ، وقد قتل بالطبع من الثائرين والأهالي والجند مئات.
تولى دمشق سنة ١٢٣٢ صالح الكوسج باشا «وكان عادلا حليما فهما» وراقت الحال في أيامه ولم يحدث إلا نشوز عرب فليحان فأرسل عليهم جندا (٣ ـ ٣)