بريد في قراهم وغير ذلك مما يبرهن على أنهم بدأوا بإنفاذ دعوتهم السياسية».
الحرب العامة والسياسة الألمانية والأخلاق التركية :
خرجت الدولة من حرب طرابلس والبلقان واليمن وكردستان وغيرها من البلدان مجردة من قوتها من المال والرجال ، ولم تكد تفكر في جمع شتاتها حتى قتل ولي عهد النمسا في مدينة سراجيفو من بلاد الصرب وأعلنت الحرب العالمية ، فكان نصيب الدولة العثمانية أن تسير مع ألمانيا والنمسا والمجر محالفة لهن على بريطانيا العظمى وروسيا وفرنسا وغيرهن من الدول ، وكان ذلك بتزيين الاتحاديين وفي مقدمتهم طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا ، وكانت الدولة تميل منذ نحو ثلاثين سنة لألمانيا وقد زار امبراطورها غليوم الثاني المملكة العثمانية مرتين وقال في المرة الثانية (١٣١٦) لما زار القدس ودمشق في خطاب له ألقاه في بلدية دمشق : «أبتهج من صميم الفؤاد بأنني وطئت بلدا عاش فيه من كان أعظم أبطال الأعصر السالفة بأسرها الذي كان بأفعاله يعلم أعداءه أنفسهم كيف يكون الأبطال ، العالي المقدار المشهور السلطان صلاح الدين الأيوبي. قال : وليتأكد حضرة السلطان عبد الحميد خان الثاني صاحب الخلافة العظمى والثلاثمائة مليون من أهل الإسلام المرتبطين بمقام خلافته المنتشرين في جميع أطراف الكرة الأرضية أن امبراطور ألمانيا يبقى صديقا لهم إلى الأبد».
انتهجت ألمانيا السياسة الإسلامية واتخذت لها دعاة من. دهاة رجالها في الإستانة ، فتم لها ما أرادت بعد سنين من الاستعانة بالدولة العثمانية على حرب أعدائها ، واستسلم رجال الدولة لما تم ، مخدوعين بالأقوال المبهرجة مأخوذين بالوعود اللطيفة ، وكان السلطان محمد رشاد وهو لا يعقد ولا يربط في شؤون السلطنة ، بقاوم الذين يريدون إصلاء الحرب في الدولة لعلمه بمضارها ، ولم يوافق عليها بعض الوزراء فخرجوا من الوزارة إلا أنور وطلعت وجمالا وهم الحركة العاملة في الدولة ، أرادوا خوض غمارها متشبعين بالروح الألمانية ولا سيما أنور ، وعلقوا على ألمانيا أمانيهم في إرجاع الدولة إلى عزها أيام سليم وسليمان ، وما كادت تعلن الحرب حتى نفذ الوزراء الأربعة الذين لم يقولوا