الأمصار التي ينزلونها ، وأن يقضوا على أهلها أو يضعوهم بحيث لا يستطيعون أن يناجزوهم الشر ، ويرفعوا رؤوسهم فيهم ، ولذلك يلاحظ أن الأتراك استولوا مرارا على المجر ، فكانوا يرحلون عنها بعد كل حملة يحملونها عليها ، ولم يستطيعوا أن يؤسسوا فيها مستعمرة أو موطنا ثابتا ، وهم في انتصار يتلوه انتصار. والشعب العثماني الذي كفى لاحتلال ولايات مملكة الروم واستعبادها لم يكف لسكنى أقطار أبعد والاحتفاظ بها ، وبهذا نجت ألمانيا وإيطاليا من غارات الأتراك ، وربما استطاع العثمانيون أن يفتحوا العالم لو قدر لهم أن يخلّقوا الأقاليم التي ينزلونها بأخلاقهم وينزلوا فيها كثيرا من أبنائهم.
قال : «من الأسباب الرئيسة التي أضعفت القوة الجندية في الأتراك ، الحروب التي كانوا أعلنوها على أوربا وفارس. فقد صدهم جهادهم الفرس عن حملاتهم على النصارى ، وجهادهم في النصارى أضر بنجاحهم في حروبهم في آسيا. وكانت طريقة الأتراك في حربهم الفرس والشعوب النصرانية متباينة ، فبعد أن قاتلوا زمنا مقاتلة ما وراء النهر والقفقاس ، أصبحوا عاجزين عن قتال أوربا ، فضعفوا عن قتال الفرس وعن قتال النصارى من أمم الغرب. وظلوا بعدئذ بين عدوين تقريبا يهمهما زوالهم ويتحمسان بالحماسة الدينية. حمل الأتراك معهم مثل جميع البرابرة الذين أتوا من شمال آسيا نظام حكومة الإقطاعات ، وكان أول عمل يأتيه أولئك الشعوب الرحالة تقسيم الأراضي بوضع بعض القيود والشروط لمقتطعيها ، ومن هذا التقسيم نشأ نظام الإقطاعات. والفرق بين الأتراك وسائر البرابرة الذين فتحوا المغرب هو أن استبداد السلاطين المبني على الحسد والغيرة لم يترك مجالا قط للإقطاعات أن تكون وراثية ليكون بجانبهم طبقة من الأشراف كما هو الحال في الحكومات الأوربية المطلقة ، وهكذا لم تكن تشهد في المملكة العثمانية سوى سلطة رئيس مطلق إلى جانبها ديمقراطية عسكرية.
«شبهوا الأتراك بالرومان. وكانت بداءة هذين الشعبين واحدة ، وما أشبه أشياع روملوس بأتباع عثمان. ويتفاوت الشعبان في نظر التاريخ ، ذلك لأن العثمانيين ظلوا كما كانوا في الأصل. أما الرومان أيام فتوحهم فلم يزهدوا في معارف من فتحوا ديارهم. ولم يستنكفوا من الأخذ بعاداتهم ومعبوداتهم.