ولم يقتبس الأتراك من الأمم المغلوبة شيئا ، وتشددوا في أن يظلوا على بربريتهم. ولم تتأصل الأرستقراطية الوراثية في جانب الاستبداد المطلق ، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي قضي بها على الأمة العثمانية أن تبقى في حالة الهمجية. وكل من درسوا سير المجتمعات يدركون أن بالأرستقراطية تتهذب الأخلاق وتتثقف عادات الشعوب ، وبالطبقة المتوسطة تنتشر المعارف وتبدأ المدنية.
«إن فقدان طبقة الأشراف أو العالية في الحكومات الشرقية لم يبين لنا سرعة انحلال هذه الحكومات فقط ، بل إنه حلّ لنا معنى جمود الفكر الإنساني في هذا الضرب من الحكومات ، وكيف لم يتقدم قيد غلوة. وما كان في المساواة المطلقة ، ومن حكومة تغار من كل ما لا تكون هي منشأه ومصدره شيء من المنافسة والقدوة وحب المجد ، وبدون هذه الأسباب يقضى على كل مجتمع أن يبقى في الجهل الأعمى الذي كان عليه لأول أمره ، وأن يفقد معظم مزاياه ومصالحه. وبالنظر لزهد الأتراك في العلوم والآداب ظلت أعمال الصناعة والزراعة والملاحة في أيدي مواليهم وكانوا في الحقيقة أعداءهم ، ذلك لأنهم كانوا يشمئزون من كل جديد ، ومن كل ما لم يحملوه معهم من آسيا ، فاضطروا أن يلجأوا إلى الأجانب في كل ما اخترع ونظم في أوربا ، وهكذا لم يكن لهم نقض ولا إبرام في مصادر سعادتهم وقوتهم، وفي متانة جيوشهم وأساطيلهم. ولا يخفى ما أضاعه الأتراك بونائهم عن السير في معارج الرقي العسكري الذي أصاب منه الأوربيون قسطا موفورا ، ولما كان الشأن في حروبهم لجيوش متحمسة بالتعصب كانت الغلبة لهم ، فلما جاء دور العلوم البشرية وما أبرزته عقول الناس من المخترعات والمكتشفات ، كان العقل المساعد هو المحد من الشجاعة.
«شبه بعضهم جيش الإنكشارية العثمانية بطوائف البرتوريان من الرومان ، في حين كان هؤلاء منتخبين ، وما جرى على خاطر الأتراك قط أن يختاروا أميرهم سواء في ذلك شعوبهم وجيوشهم. وكانت مصلحة الإنكشارية تقضي أن يلقوا الاضطراب في المملكة لئلا يخلو لها الجو فتستفيد شيئا من الجديد. أما الأتراك الذين توطنوا في يونان فكانوا يحترمون العادات القديمة أكثر من