إخضاع الشام وضمه تحت جناحها ، على طريقة الغدر والخداع وإلقاء الفتن والحروب الأهلية بين الأمراء والمشايخ الذين كانوا يحكمون الرعية بالجور والعسف ويسومونهم الذل أنواعا والظلم أشكالا ، وشريعة الرجل منهم إرادته السخيفة ، والحاكم يشنق ويقتل ويشوه أخلاق الشعب ، وكأن الحال قيضت لهم رجلا كالجزار ينتقم منهم ، وكان هؤلاء العتاة لاهين بالمنازعات العائلية والحروب الأهلية يكرهون العدل ويعشقون الظلم ، لا يرحمون ضعيفا ولا قريبا ، ولم تكن معاملة الجزار للأمير يوسف أقسى من معاملة هذا الأمير لأنسبائه وإن ما لحقه من الجزار هو مما يستحقه. وقس على الأمير بقية المشايخ والأمراء الذين كانوا يستبيحون أموال الرعية وأعراضهم في سبيل أهوائهم.
قال إن الجزار ظلم ولكنه خدم الدولة والشعب ، وعادت خدماته على الدولة بالنفع فأخضع القطر لشوكتها فأطاع ، ورد عنها بثباته أمام نابوليون خطرا كان يهددها يوم حصار عكا ، وأفاد الرعية بأن أزال عنهم ضغط المشايخ والأمراء المستبدين فكان جوره بالنسبة لجور الأمراء والمشايخ قبله أقل وطأة. ولما جاءهم وضع حدا لظلمهم وزعزع سلطتهم وأرغم أنوفهم وأطلق الفلاح من عقالهم. وعلى الجملة فإنه عمل بما يوافق عصره وينطبق على أبنائه ، فبموته سرّي عمن كان غضبه يهددهم ويوشك أن يوقع بهم. وقال إن الجزار على قبح أعماله حفظ المساواة بين الرعية مع تفرق مذاهبها ، فيحبس علماء المسلمين وقسوس النصارى وحاخامي اليهود وعقال الدروز سوية ، وهكذا في إجراء العذابات الجهنمية عليهم لا يفرق بينهم ، وأكبر ما يحصى عليهم من الذنوب التوقف عن أداء الأموال التي يطلبها منهم وربما نشأ تلكؤهم من عجزهم.
وقال إن الجزار كان يتأخر عن دفع الأموال الواجب عليه أداؤها للسلطنة ويعتذر عن الدفع بأنه محتاج إلى العساكر لإدخال لبنان في الطاعة ، فسئمت الدولة من تعللاته الطويلة وكتبوا له أن المدة طالت ويظهر أنك غير قادر على تمهيده ، فلذلك صممت الدولة على إرسال وزير مقتدر بعساكر كافية لإخضاع لبنان لسطوتها فكان جوابه أنني بعد أيام قليلة إن شاء الله أبشركم بفتحه لأنه ظهر عليهم الضعف عن المقاومة ، وقد منعنا وصول الذخائر إليهم من البقاع والسواحل وهم لا يقدرون على العيش بدونها ، لان أراضي الجبل قليلة بالنسبة