فتحت الباب رمى بالجراب ، وذهب ، فلما فتحته إذا هي بدقيق حوّارى (١) فعجنته وخبزت ، فلما ذهب من الليل الهويّ (٢) جاء أبو مسلم فنقر الباب ، فلما دخل وضعت بين يديه خوانا وأرغفة حواري ، فقال : من أين لكم هذا؟ قالت : يا أبا مسلم ، من الدقيق الذي جئت به ، فجعل يأكل ويبكي.
أخبرنا أبو الفتح ناصر بن عبد الرّحمن بن محمّد القرشي ، نا أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي الزاهد ، أنا أبو الفرج عبيد الله بن محمّد بن يوسف المراغي النحوي ، نا عيسى بن عبيد الله بن عبد العزيز الموصلي ، أنا أبو بكر محمّد بن صلة الحربي (٣) السّنجاري الشيخ الصّالح ، نا أبو علي نصر بن عبد الملك السّنجاري ، نا أبو عمرو العسلي السّنجاري ـ يعني عثمان بن سعيد ـ نا إسحاق ـ يعني ابن نجيح الملطي (٤) ـ عن الأوزاعي ، قال : أتى أبا مسلم نفر من قومه ، فقالوا : يا أبا مسلم أما تشتاق إلى الحجّ؟ قال : بلى ، لو أصبت لي أصحابا ، قال : فقالا : نحن أصحابك ، قال : لستم لي بأصحاب ، أنا أصحابي قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد ، قالوا : سبحان الله وكيف يسافر قوم بلا زاد ولا مزاد ، قال : ألا ترون إلى الطير يغدو ويروح (٥) بلا زاد ولا مزاد ، والله يرزقها وهي (٦) لا تبيع ولا تشتري ولا تحرث ولا تزرع ، والله يرزقها ، قال : فقالوا : فإنا نسافر معك ، فقال : تهيئوا على بركة الله تعالى ، قال : فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد ، قال : فلما انتهوا إلى المنزل قالوا : يا أبا مسلم طعام لنا وعلف لدوابنا ، قال : فقال لهم : نعم ، فتنحّى غير بعيد فتسنم مسجد أحجار فصلى فيه ركعتين ، ثم جثا على ركبتيه ، قال : إلهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي ، وإنما خرجت زائرا لك ، وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصاب من الناس فيوسعهم قرا ، وإنّا أضيافك وزوّارك (٧) فأطعمنا واسقنا واعلف دوابنا ، قال : فأتي بسفرة فمدّت بين أيديهم ، وجيء بجفنة من ثريد تبخر ، وجيء بقلتين من ماء ، وجيء بالعلف لا يدرون من يأتي به ، فلم
__________________
(١) الحوارى : الدقيق الأبيض ، وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه (اللسان : مادة حور).
(٢) الهوي كغني ويضم ، من الليل ساعة (القاموس) وفي المطبوعة : الهديء.
(٣) كذا بالأصل وفي م : «الحري» وفي المطبوعة : «الحيوي».
(٤) بالأصل : «الماطي» ومثله في م ، وهو خطأ والصواب ما أثبت ، انظر ترجمته في تهذيب الكمال ٢ / ٨٠.
(٥) في المطبوعة : تغدو وتروح.
(٦) في م : ولا تبيع بدل وهي لا تبيع.
(٧) سقطت من م.