فيها ، ثم استقلّت ، لا خير عندهم ، قال : ويحك والله لقد رأيت أوجها صباحا لا تسلمهم ألّا إلى خير ، قال : فباتوا عنده حتى أصبحوا وأرادوا المضيّ ، قالوا : يا أخا مزينة ، هل عندك من صحيفة ودواة؟ قال : لا والله ، إنّ هذا لشيء ما اتّخذته قط ، قال : فكتبوا أسماءهم في خرقة بحممة ثم قالوا : احتفظ بها ، قال : فأكنّها المزني وأيس من خيرهم ، فلبث بذلك ما شاء الله ، ثم إنه نزل قوم من أهل المدينة قريبا منه ، فذهب إليهم بالخرقة ، فقال : أتعرفون هؤلاء ، بأبي أنتم؟ قالوا : ويلك من أين لك هؤلاء؟ فأخبرهم بقصتهم ، فقالوا : انطلق معنا ، قال : فانطلق المزني مع المدنيين حتى قدم المدينة ، فغدا إلى سعيد وهو كان أمير المدينة يومئذ ، فلما نظر إليه رحّب به وقال : أنت المزني؟ قال : نعم ، بأبي أنت وأمي ، قال : هل جئت واحدا من صاحبيّ؟ قال : لا ، قال : يا كعب اذهب فاعطه ألف شاة ورعاتها ، قال : فلما خرج به كعب قال له : إنّ الأمير قد أمر لك بما قد سمعت ، فإن شئت اشترينا لك ، وإن شئت بأغلى القيمة ، قال : لا بل الثمن أحبّ إليّ ، فأعطاه الثمن ، ثم صار إلى حسين ، فلما رآه رحّب به ثم قال : أمزينيا؟ قال : نعم ، بأبي أنت وأمي ، قال : هل جئت واحدا من صاحبيّ؟ قال : نعم ، سعيدا ، قال : فما صنع بك؟ قال : أعطاني ألف شاة ورعاتها ، قال : يا فلان لقيّمه : اذهب فاعطه ألف شاة ورعاتها ، وزده عشرة آلاف درهم ، قال : فقال له : إن شئت فعلى ما عوملت عليه ، وإن شئت اشترينا لك ، قال : فاختار الثمن ، ثم ذهب إلى عبد الله بن جعفر ، فقال : مرحبا ، أمزينيا؟ قال : نعم ، بأبي أنت وأمي ، قال : هل جئت أحدا من صاحبيّ؟ قال : نعم ، كلاهما ، قال : فما صنعا؟ قال : أمّا سعيد فأعطاني ألف شاة ورعاتها ، وأما حسين فأعطى ألف شاة ورعاتها وعشرة آلاف درهم ، قال : يا بديح اذهب به فاعطه ألف شاة ورعاتها ، وسجل له ـ بعيني فلانة ، بينبع (١) ـ قال : لعين عظيمة الخطر تغلّ مالا كثيرا.
قال عبد العزيز بن يحيى : هم أولئك المزنيّون الذي يسكنون الخليج ، وهم مياسير إلى اليوم.
أخبرنا أبو الفضل بن ناصر ، وأبو الحسن سعد الخير بن محمد ، قالا : أنا أبو الفوارس طراد بن محمد ، أنا علي بن محمد بن عبد الله ، أنا أحمد بن محمد بن جعفر ،
__________________
(١) ينبع : هي على يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى ، من المدينة على سبع مراحل ، وهي لبني حسن بن علي ، وقال ابن دريد : ينبع بين مكة والمدينة (ياقوت).