نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا محمد بن الحسين ، حدّثني يوسف بن الحكم الرّقّي ، نا الفياض بن محمد القرشي عن رجل من أهل المدينة ، قال :
خرج عبد الله بن جعفر حاجّا حتى إذا كان ببعض الطريق تقدم ثقله على راحلة له ، فانتهى إلى أعرابية جالسة على باب الخيمة ، فنزل عن راحلته ينتظر أصحابه ، فلما رأته قد نزل ، قامت إليه ، فقالت : إليّ ، بوّأك الله مساكن الأبرار ، قال : فأعجب بمنطقها ، فتحوّل إلى باب الخيمة ، فألقت له وسادة من أدم ، فجلس عليها ، ثم قامت إلى عنيزة لها في كسر الخيمة ، فما شعر حتى قدمت منها عضوا فجعل ينهش ، وأقبل أصحابه فلما رأوه نزلوا ، فأتتهم بالذي بقي عندها من العنز ، فطعموا وأخرجوا سفرهم فقال عبد الله : ما بنا إلى طعامكم حاجة سائر اليوم ، فلما أراد أن يرتحل دعا مولاه الذي كان يلي نفقته ، فقال : هل معك من نفقتنا شيء؟ قال : نعم ، قال : وكم هو؟ قال : ألف دينار ، قال : أعطها خمس مائة واحتبس لنفقتك باقيها ، قال : فدفعه إليها ، فأبت أن تقبل ، فلم يزل عبد الله يكلّمها وهي تقول : أي والله أكره عذل بعلي ، فطلب إليها عبد الله حتى قبلت ، فودّعها وارتحل هو وأصحابه ، فلم يلبث أن استقبله أعرابي يسوق إبلا له ، فقال عبد الله : ما أراه إلّا المحذور ، فلو انطلق بعضكم فعلم لنا علمه ثم لحقنا ، فانطلق بعض أصحابه راجعا متنكرا حتى نزل قريبا منه ، فلما أبصرت المرأة الأعرابي مقبلا قامت إليه تفدّاه وتقول : بأبي أنت وأمّي :
توسّمته لما رأيت مهابة |
|
عليه فقلت : المرء من آل هاشم |
وإلّا فمن آل المرار فإنهم |
|
ملوك ملوك من ملوك أعاظم |
فقمت إلى عنز بقية أعنز |
|
فأذبحها فعل امرئ غير نادم |
يعوّضني منها غنان ولم يكن |
|
يساوي لحيم العنز خمس دراهم |
بخمس مئين من دنانير عوّضت |
|
من العنز ما جادت به كفّ آدمي |
فأظهرت له الدنانير ، وقصّت عليه القصة ، فقال : بئس لعمرو (١) الله معقل الأضياف ، كنت ، أبعت معروفك بما أرى من الأحجار؟ قالت : إنّي والله قد كرهت ذلك ، وخفت العذل ، قال : وهذه لم تخافي العار ، وخفت العذل؟ كيف أخذ الركب؟ فأشارت له إلى الطريق ، قال : وهذا يعين الرجل الذي أرسله عبد الله فقال : أسرجي لي
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : لعمر الله.