فرسي ، قالت : تصنع ما ذا؟ قال : ألحق القوم ، فإن سلموا لي معروفي وإلّا حاربتهم ، قالت : أنشدكم الله أن تفعل فتسوءهم فأقبل عليها ضربا ، وقال : ركنت إلى إمحاق المعروف؟ قال : وركب فرسه ، وأخذ رمحه ، فجعل الرجل صاحب عبد الله يسير معه ، ويقول له : ما أراك تدرك القوم ، فقال : والله لآتينّهم ولو بلغوا كذا وكذا ، فلما رأى الرجل أنه غير منتهي (١) قال : على رسلك ، أدرك لك القوم وأخبرهم خبرك ، فتقدم الرجل فأخبر ابن جعفر ، وقصّ عليه القصة ، فقال عبد الله : قد كانت حذرة من المشئوم ، قال : فرهقهم (٢) ، فسلّم عليه ابن جعفر وأخبره بحسن صنيع المرأة ، فقال : والله ما رأيت ذلك بتمّامه ، فلم يزل يكلّمه ، ويسأله ، فأبى الأعرابي إلّا ردّها ، فلما رأى عبد الله ذلك قال : لننظر ما عنده ، ما نحبّ أن يرجع إلينا شيء قد أمضيناه ، قال : فقام من بين يديه ، فتنحّى ، فصلّى ركعتين ثم قام فركب فرسه وأخرج قوسه ونبله ، فقال له عبد الله : ما هاتان الركعتان؟ قال : استخرت فيهما ربّي عزوجل في محاربتكم ، قال : فعلى ما عزم لك من ذلك؟ قال : عزم لي عليه رشدا أو ترجعون أحجاركم وتسلمون لنا معروفنا ، فقال له عبد الله : نفعل ، فأمر بالدنانير فقبضت ، فولّى الأعرابي منصرفا ، فقال له عبد الله : ألا نزودك طعاما؟ قال : الحيّ قريب ، فهل من حاجة؟ قال : نعم ، قال : وما هي؟ قال : المرأة تخبرها بسوء فعلك ، فاستضحك الأعرابي وولّى منصرفا ، فقدم عبد الله بن جعفر بعد ذلك على يزيد بن معاوية ، فحدّثه حديث الأعرابي ، فقال يزيد : ما سمعت بأعجب من هذا.
أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ (٣) ، أنا محمد بن جعفر التميمي الكوفي ، نا أبو عبد الله اليزيدي (٤) ، نا عيسى بن إسماعيل المعروف بتينة (٥) ، قال : سمعت الأصمعي يقول : جاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر بدجاجة مسموطة في مكتل (٦) ، فقالت : بأبي
__________________
(١) كذا بالأصل وم : «غير منتهي» بإثبات الياء.
(٢) أي دنا منهم ، أو اقترب منهم.
(٣) في م : القرى.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : «البريدي».
(٥) بالأصل : «تبنه» وفي م : «تنبه» وكلاهما تحريف والصواب : «تينة» عن تبصير المنتبه ٤ / ١٤٠٨ وفيه : وبمثناة مكسورة ثم ياء ثم نون : عيسى بن إسماعيل ، بصري ، يلقب تينة ، روى عن الأصمعي وغيره.
(٦) في م : مكيل.