للطريق وبعد التخبط والتعثر إلى الحد الذي غطتنا فيه الأوحال ، أقنعت (علي ابن ميغاتي)(Megati) بالتوجه إلى ساحل البحر. كان الفلاجون الذين صادفناهم في طريقنا في سعادة غامرة يتوقعون حصادا وفيرا وكلأ غنيا ترعى فيه قطعانهم. والحق أن مما يثير الدهشة الشديدة ملاحظة التحول الذي تحدثه زخة مطر واحدة في سطح هذه البلاد. فأكثر البقاع الجرداء والمجدبة تصبح مكسوة بطبقة رقيقة من الشعب مما يغير معه وجه البلاد. إلا أن هذا لا يدوم طويلا ، لأن قطرات الندى في الليل توفر الغذاء لفترة قصيرة من الزمن وتعقبها حرارة الشمس الشديدة التي تحيل كل شيء بعد أسبوع أو عشرة أيام إلى قفر وجفاف كما في السابق.
كانت (بركاء) في السابق مصيفا للإمام ، وفيها تخلص الإمام بواسطة خدعة بارعة من خاله شديد المراس سيف بن Buddu (*).
تشتهر (بركاء) حاليا بحصنها الذي يبدو واضحا من جهة البحر نظرا لارتفاعه الشاهق وحجمه الضخم. وقد نصبت فوقه ثلاثون قطعة مدفعية ، إلا أنها لا تلقى عناية كبيرة مما يتعذر إطلاق نار نصف عددها. ومع هذا فالعرب يعتقدون أن الحصن منيع ، ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بهم فإنهم على خطأ لأن الجهل المطبق في مثل هذه الحالات يشترك فيه المهاجمون والمحاصرون ، وتكفي الوسائل التي يمتلكها الطرف الأول لقهر المزايا التي يمتلكها الطرف الثاني. كانت امرأة (السيد هلال) موجودة في هذا المكان أثناء زيارتي ولهذا السبب لم يسمح لنا بالذهاب إلى ما هو أبعد من أحد الأبراج القريبة من المدخل. ومن قمة هذا البرج ، حصلت على مجموعة قياسات دقيقة ومنظر جميل للمدينة والمناطق المجاورة لها. كان الحصن محاطا ، وعلى بعد مسافة مائتي ياردة من كل جانب ، بسور ذي أبراج مستدقة ، وفي المنطقة المحصورة بينهما ـ أي السور والحصن ـ بعض البيوت الجميلة.
وشاهدت أن العديد من هذه البيوت ذات أعمدة في مقدمتها وتدعم رواقا غير مهندم
__________________
(*) كذا في الأصل الإنجليزي وصوابه ابن عمه بدر بن سيف. وقد حدث ذلك عام ١٨٠٧ م في قرية تسمى (نعمان) وفقا لما ورد في المصادر التاريخية العمانية. تجدر الإشارة إلى أن بعض المصادر التاريخية العمانية تذكر أن بدر بن سيف كان خال السيد سعيد وابن عمه في نفس الوقت.