هذا كلام اللسان ، بل هو كلام القلب». وبعد محادثة ليست بالقصيرة تلقيت فيها كلّ عون من خلال معرفته التامة بالبلاد ، اتخذت الإجراءات على أساس أن أتوجه أولا إلى (صور) طالما أنه لا توجد إلّا طريق واحد يؤدي إلى الجنوب ـ مما جعلني أشعر بعدم وجود أي رغبة لدي في السير فيه مجددا ـ وبعد الوصول إليها أتقدم صوب (بني بو علي) وبهذا أعبر خطا يوازي ساحل البحر نحو (الجبل الأخضر) الذي يوصف بأنه مرتفع كثيف السكان وكثير الفاكهة. وبعد ذلك أنهي ذلك الجزء الخاص من (عمان) ومن هناك أتوجه إلى عاصمة الوهابيين (الدرعية) (١) إذا كان الطريق سالكا. ثم نوقشت بعض الموضوعات الثانوية الأخرى وتم إعدادها ومن ثم استأذنت بالإنصراف مسرورا جدا بآفاق النجاح الذي ينتظرني.
الثالث والعشرون من نوفمبر / تشرين الثاني : تلقيت هذا الصباح من سموه جوادا نجديا ممتازا للقيام برحلتي علاوة على زوج من كلاب القنص وسيف مذهب وتصريح رسمي يؤكد أن أفضل ما تنتجه البلاد ينبغي أن يكون ملكا لي طالما أنا في (عمان) ، وأن كلّ النفقات المصروفة على الإبل والأدلاء وغيرها سيتحملها هو شخصيا ، وأن هناك رسائل يتم إعدادها بتوجيه مباشر منه موجهة إلى زعماء مختلف المناطق التي سأضطر إلى اجتيازها طالبا منهم فيها استقبالي بكل حفاوة ممكنة. وإذا وضعنا جانبا كلّ احتمال يمكن أن يكون قد دفع هذا الأمير إلى تعزيز ما كان يظن أنه يمثل آراء حكومتي ومن ثم يقوم بخدمتي ، فقد كان أسلوبه ومزاجه اللذان أظهرهما في هذه المناسبة ينطويان على روح تتفق كلّ الاتفاق مع الأخلاق النبيلة الحقة التي كان يتمتع بها.
يبلغ (السيد سعيد) الثانية والخمسين من العمر ومضى على حكمه سبعة وعشرون عاما. وهو طويل القامة ، ذو شكل مهيب ، ملامحه هادئة ، لكنها آسرة. أما أسلوبه في الحديث وخصاله فكانت دمثة وحييّة ومبجلة. واحتفظ الإمام بعاداته الشخصية وببساطة جذوره البدوية. وهو مقتصد غير مسرف ، لا يتزين بالمجوهرات في حين لم يكن ملبسه بأفضل من ملابس الشخصيات المهمة إلّا من حيث نعومة القماش. ولم تكن خدمته محاطة بأي أبهة أو خيلاء. وقد لاحظ العرب ـ كمثال على حرارة عواطفه ـ أنه يزور أمه يوميا وكانت
__________________
(١) وتقع في وادي بني حنيفة وهو أحد الممرات الضيقة التي لا يمكن إلا بوساطتها دخول نجد.