ظلوا في حالة استعداد دائم ، ولم يكتشفوا هوية عدوهم الذي هاجمهم إلا بعد أن كبدوه خسائر كبيرة. لقد كانت أعمال العنف عند هؤلاء المتطرفين تثير هلعا شديدا مما كان يدفع بالسكان إلى نسيان كل خصومهم عند اقترابهم منهم ؛ وتتحد جميع القبائل للدفاع المشترك. ولم تكن هذه الغزوات بلا فائدة ، فقد أثبتت في العديد من المرات ، كما في هذه المرة ، إنها وسيلة للجمع بين قبيلتين من القبائل ظلتا سنوات طويلة في حالة صراع وبعد ذلك يحدث التزاوج فيما بينهما وينعقد بذلك تحالف وثيق لا تنفصم عراه.
لقد باتت الآن قبائل (آل سعد) و (آل بو سعيد)(Sheid) و (آل هلال) متحدة اتحادا كونفدراليا ويقدر عددها الإجمالي بثلاثة آلاف رجل. وتملك هذه القبائل أعدادا لا عد لها ولا حصر من بساتين النخيل ومزارع الحبوب والسكر والقطن والنيّلة. وفي وسط هذه البساتين يوجد عدد من الحصون. فقد كان أفراد هذه القبائل يصعب انقيادهم ولا يعيرون اهتماما (للسيد سعيد) أو شيخ (صحار). وعلى الرغم من أنهم كانوا يدفعون ضريبة العشر إلى شيخ (السويق) ، إلا أنهم اصبحوا الآن في حالة عداء غالب معه.
وكانت التوقعات تفيد بأن خلافا ما سيؤدي في هذه الفترة إلى حدوث اضطرابات ، ولهذا السبب ، سلكت جماعتنا طريقا دائريا طويلا لتجنب مضاربهم. وقد تم تسوية الخلاف قبل عودتي لأننا مررنا بهم دون أي مشكلات. وفي الساعة الرابعة غيرت المنطقة من ملامحها. فقد أخذت الوديان العميقة والضيقة تقطع التلال ، وكانت كثيرة العشب ترعى فيها أعداد كبيرة من الأغنام. وفي الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة والأربعين وصلنا إلى قرية (الفلج).
بدت المنطقة كلها في حالة من الذعر الشديد بسبب توقع هجمة يقوم بها الوهابيون. وكان (علي بن نجاتي)(Megati) يستفسر باستمرار عن أخبار كل من التقينا به في الطريق. من جهة أخرى ، كان ظهورنا وسطهم عبارة عن مشهد مسل من الذعر والفوضى. فالأولاد والبنات يصرخون ، والرجال يهرعون إلى سلاحهم ، والكلاب تنبح بلا انقطاع بينما هرعت النساء وهن يحملن أطفالهن بين أيديهن وصرخاتهن تضفي نغمة جميلة على مختلف الأصوات التي رحّبت بنا. وعبثا حاول علي رفع صوته ليعرّف بنا ، إلا أن ذلك لم يكن إلا