تبين أن من شأنه السفر وإياهم حتى ترك حماره الذي أعطي له عوضا عن الحمار الذي فقده ، واعتلى صهوة أحد الإبل. كان طريقنا يمتد مسافة لا بأس بها على حافة أحد الوديان ويطلق عليه اسم (وادي الكبير) وكان قاعه مبللا في الوسط بفعل أحد الغدران فتشكلت على الجانبين بعض البرك الضحلة. اجتزنا اليوم بعض أعشاب الحنظل كما مررنا بنوع من الأدغال القصيرة ذات فاكهة صغيرة حمراء اللون تشبه في حجمها ونكهتها ضرب من التوت البري الذي يعشقه البدو. وفي الساعة الرابعة دخلنا وادي (رصة الخروص Russut El Kutoos بعد أن هبطنا في أحد الممرات وفي الساعة الخامسة والربع توقفنا عند قرية (سيدان)(Sidan) ، وهناك فرحنا بمحل إقامتنا الذي كان عند فتحة الممر حيث يبدو وسط مجموعة من الجبال الشاهقة. كانت القمم الوعرة المدببة لهذه الكتل الظليلة ، وهي تبرز بالتعاقب أمامنا ، مكسوة بآخر ما تبقى من شعاع الشمس الآخذة بالمغيب. أما بقية السلاسل الجبلية المنخفضة فكانت قد ضاعت وسط كآبة المغيب. وكان في وسعنا مشاهدة سيل جبلي عرضه خمسون ياردة يبرز من وسط السلسلة ثم يأخذ طريقه على امتداد الوادي وبين الصخور ومن فوقها علاوة على عقبات أخرى تحدد قعره. وسرعان ما أضرمنا نارا كبيرة على ضفته وأعددنا طعام المساء. بدأنا نفكر في المستقبل ونحن نجلس من حول النار نستمتع بدفئها وبحيويتنا ومعنوياتنا المألوفة كما من قبل ، ذلك المستقبل الذي تظهر آفاقه عفويا عند ما يستعيد الذهن مرونته وإيقاعه بعد أن أنهكه المرض لحين. إنني أعتقد ، وأنا تحت تأثير رد الفعل الغريب هذا ، بأن أي حادث أو مغامرة ، مهما كانا خطرين أو عنيفين ، لن يكونا ضارين بنا شريطة أن يوفرا قدرا من الإثارة.
السادس من مارس / آذار : بعد أن أخذنا صورة سريعة لمدخل هذا الممر والجبال المجاورة له ، واصلت رحلتي في الساعة العاشرة والنصف بين أرجاء الوادي. لم يكن هناك أي طريق باستثناء السير على امتداد قعر جدول الماء الذي كان في بعض الأماكن عميقا وسريعا جدا في بعض الأحيان مما كاد يتسبب في زلة قدم جوادي. وكانت تنتشر على كلا الجانبيين بعض بساتين النخيل ومجموعة متناثرة من الأكواخ. وفي الساعة الثانية من بعد الظهر ، صادفنا فرع جدول ماء إلى جهة الغرب وعلى امتداد وادي ثلة (Thilah). أصبحنا